هدمها رجل واحد اسمه صلاح الدين، فذهبت حتى أن أكثر القراء لم يكن يدري بها، قبل أن يسمع مني الآن خبرها.
فلا تجزعوا كثيراً من ضياع فلسطين، بل اجزعوا من المصيبة التي هي أكبر من ضياع فلسطين، ومن ضياع بلاد العروبة كلها، لا أذن الله - أتدرون ما هي؟ هي أن تخسروا إيمانهم بأنفسهم وماضيكم، وأن تفقدوا كبرياءكم وتنسوا عزتكم، وتجهلوا مكانكم في هذه الدنيا.
تلك هي المصيبة حقا، ولن تكون أبداً ولئن داخل الضعف نفوساً قد اكتهلت وشاخت في ظلام الماضي القريب فسيكون من هؤلاء الأطفال، شعب نشأ في نور الاستقلال، وستلهب دمه ذكريات عشرة آلاف معركة مظفرة، خاضها الجدود، وسيخرق صماخ أذنيه نداء عشرة آلاف بطل، أنجبهم الجدود، وستدفعه إلى ميادين التضحية والبذل، حتى يطهر أرض الوطن من إسرائيل، وبغل بالدم هذه الصفحة التي كتبها في تاريخنا التردد والتخاذل والانقسام، وحتى يعيد مجد الماضي فيقرأ الطلاب في المدارس بعد حين، خبر هذه الدولة التي قامت يوما في فلسطين باسم دولة إسرائيل، كما نقرأ نحن اليوم خبر الدولة التي أقامها من قبل جموع الصليبيين.
ومن شك في هذا لم يكن عربيا ولم يكن مسلماً.
٩ - الآن يا بنت
الآن يا بنت؟! آلآن؟! بعد ما سفح الماء، واحترق العود، تكتبين إلى بدم القلب، ودموع العين تقولين: تعالوا يا عقلاء، ويا مصلحون، خبروني ماذا أصنع؟ وهل يقدر أحد أن يرد الماء الذي اندلق، والعود الذي احترق، والغشاء الذي أتخرق؟
وهل رجعت لبنت عذرتها، بعدما فقدتها، حتى تعودي عذراء كما كنت؟ فلا تطلبي المحال فإن الميت لا يعود. . .
وإنه قد بطل الخيار، ولم يبق إلا طريق واحد، فأنسى كل ما ذكرت أي من شرف أسرتك وهو أن عائلته، وغنى آلك وفقر أهله، وتوسلي إليه بك، فلعله قد بقى قلبه شيء من شرف الرجل؛ أو عاطفة الإنسان فيصلح ما أفسد.
أما أهلك فإن الأيام ستروضهم على الرضا بالواقع، فيندمل مع الزمان الجرح، وتذهب