فالذين يحملون على الدين ووظيفته الاجتماعية هم في معظم الحالات مفتقرون إلى الاختيار الديني الصادق، أو بمعنى آخر مفتقرون إلى الغريزة الدينية الفطرية التي هي - كما رأينا - جزء من نظام الكون والتكوين النفساني والعقلي والجسماني للإنسان. فاجتهادهم إذن اجتهاد مريض فقد غريزته فجاء اجتهاده وتفكيره وتحليله مشوها لا تتوفر فيه عناصر الكمال.
وحفظة الدين الذين لا يتعرفون على جوهر المشاكل الاجتماعية والمذاهب الفكرية والسياسية والاقتصادية المعاصرة عاجزين - سواء اعترفوا بذلك أم لم يعترفا بذلك أم لم يعترفوا - عن صياغة اجتهادهم في قلب يحقق النفع الجزيل. فهم والحالة هذه يقفلون باب الاجتهاد ويحولون بين الدين وتأدية وظيفته الاجتماعية - سواء أدركوا ذلك أم لم يدركوه -.
فلو طبقت هذا الوضع على حاضر العالم العربي لوجدت كلا النقيضين ولوجدت تحديا للدين من جماعة فقدوا غريزتهم الدينية الفطرية - أو طمروها تحت ركام من التعليل المنطقي السيئ - ولوجدت كذلك إجابة على هذا التحدي من بعض حفظة الدين يفتقرون إلى سلاح المعرفة الحديثة وهي معرفة شاسعة معقدة لا يكفي للتعرف عليها دروس من الجغرافية والحساب والطبيعة والكيمياء.
فالمكتبة العربية فقيرة فقرا مدقعا في أكثر ما تطفح به الثقافات المعاصرة من فلسفة ودراسات اجتماعية بنيات عليها المذاهب الفكرية المعاصرة - اجتماعية كانت أم فلسفية أم سياسية أم اقتصادية - التي تتحدى الدين ووظيفته الاجتماعية.
ولقد واجهت العقيدة المسيحية في أوربا وأمريكا مثل هذا التحدي في الأزمنة الحديثة فسعت معاقل الديانات المسيحية لمواجهته بالتسلح بالعلم الحديث.
ولقد تسنى لكاتب هذا السطور أن يلمس عن كثب ثروة مناهج العلم والتدريس في بغض المعاقل الرئيسية في أمريكا؛ وبرامج التدريس العالي في هذه المؤسسات لا تترك شاردة ولا واردة من العلم الحديث إلا خصصت لها حصصا تتكافأ وأهميتها ومبلغ تحديها للعقيدة المسيحية الدينية. فهناك فصول في علوم الاجتماع والنفس والاقتصاد والفلسفة السياسية والهندسة والفيزياء العالية والكيمياء المتقدمة وألف نوع ونوع من العلوم الحديثة تدرس في