للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المدرسة بجانب التاجر أو العامل قد أصغى كل واحد في اهتمام إلى ما يلقيه الأستاذ في وقت الفراغ من العمل. والجميل في هذا النوع من التعليم أن الحجازي لا يحجم عن الانتظام في سلكه مهما تقدمت به السن، وهو كذلك يتعلم رغبة في العلم، وطلبا لإدراك أسراره ولا يريد من وراء ذلك عملا ولا شهادة.

والنقص الظاهر في علوم الحرمين خلوها من الآداب فليس من بينهم من يتصدى لتدريس النقد والسرقات أو تاريخ الأدب والنصوص حتى يأخذ بيد المتعلمين إلى فهم الأدب وتذوق أسراره ومعرفة مواطن الجمال فيه.

ومن هنا نستطيع أن نقول إن التعليم على اختلاف أنواعه في الحجاز يخرج علماء حفظة، ولا يخرج أدباء قادرين.

فكيف إذا استطاع أدباء الحجاز أن ينهضوا هذه النهضة وأن يبلغوا هذه المنزلة في الشعر والنثر؟

إن الفضل الأكبر في ذلك راجع إلى الاطلاع الحر والمجهود الذي يبذله الأديب معتمدا على نفسه في قراءة الكتب التي تحلو له وتتفق وذوقه. وهذا المجهود ملحوظ ظاهر في ناشئة الحجاز إذ لا يكاد الطالب في المدارس الابتدائية وغيرها ينال قسطا من التعليم حتى تتوق نفسه إلى الاستزادة من الأدب العربي والثقافة العامة الواسعة، وغاية يأمل الشادي في الأدب منهم أن يستطيع بعد القراءة الدائمة أن يصل إلى نظم الشعر ليلقى في المحافل أو كتابة النثر في الجرائد فإذا ما وصل إلى هذه الغاية تجددت له آمال أخر فواصل القراءة ودأب على التحصيل حتى يصبح من الشعراء المعدودين في هذه البلاد.

هذا الروح وهو الاطلاع الحر ولده في الحجازيين إكبارهم لماضيهم وعنايتهم بمجدهم السابق وأملهم الواسع العريض في أن يعود ذلك المجد قوياً ثابتاً كما بدأ في هذه البلاد، فقد علموا أن أقرب طريق يوصلهم إلى بغيتهم إنما هو طريق الاعتماد على النفس في استيعاب الآداب القديمة والحديثة والمعارف المنقولة إلى لغاتهم.

ولعل الذي مهد لهم سبيل الاطلاع، فراغهم في كثير من الأوقات، وبخاصة في غير موسم الحج - عندئذ يجدون عندهم الوقت متسعا للاستزادة واستيعاب ما حوته الكتب. وثمة سبب ثالث هو خلو بلادهم مما يشغل الناس في الأقطار الأخرى من ضروب اللهو ومفاتن

<<  <  ج:
ص:  >  >>