المدنية؛ فأعمال الحجازي مقسمة بين العمل والعبادة والتعلم.
والكتب التي يطلع عليها الحجازيون كثيرة متنوعة: فهم يقرءون الكتب العربية القديمة ليتأثروا صياغتها وأساليبها ويجدون هذه الكتب هناك في المكتبات العامة التي احتوت على كثير من الكتب وبعضها فريد نادر، وهم كذلك مولعون بشراء ما يطبع منها في بلادهم وفي الأقطار الأخرى.
غير أن عنايتهم بالكتب الحديثة تفوق عنايتهم بالكتب القديمة؛ فهم يقرءون كل ما يصدر منها في مصر والشام والعراق وأمريكا وإقبالهم على هذه الكتب بالغ حد الإعجاب؛ فلا تجد هناك شادياً في الكتابة ولا بادئاً في الشعر إلا وهو يعلم عن أدبائنا المصريين ما يجهله كثير من المصريين المتعلمين، ثم هو يحيط بإنتاجهم ومؤلفاتهم إحاطة وافية ويدرك منازعهم وطرائقهم: فليس منهم من يجهل مؤلفات الدكتور طه حسين بك، والدكتور هيكل باشا، والأستاذ العقاد، والأستاذ أحمد أمين بك، والأستاذ (الزيات)، والدكتور زكي مبارك وغيرهم، بل ليس منهم من يجهل أسلوب كل واحد من هؤلاء وخصائصه والموضوعات التي أجاد فيها وهو يحدثك عن كل أديب حديث الواثق الملم بما يقول. ولا تقف معرفتهم هذه عند حد الإعجاب بالأدب: فهم يختلفون إزاءه أحزاباً؛ هذا يفضل أسلوب الزيات لروائه ورونقه، وبراعة تصويره؛ وذلك يفضل أسلوب العقاد لدقة تعبيره، وتسلسل معارفه وقوة حجته، وآخر يتحيز لأسلوب الأستاذ أحمد أمين بك لعمق الفكرة والاستقصاء، والدقة في الأداء، وغيره يؤثر أسلوب الدكتور طه حسين بك معجبا بسهولته وتجليته للحقائق. وهكذا، وقد يتخذون من أدب هؤلاء وغيرهم مجالا للنقد والتحليل فتزخر صحفهم ومجلاتهم بنقدهم للأدب المصري. وما قلناه في تأثرهم بالأدب المصري نرى مثله في تأثرهم بالأدب الشامي والعراقي، وأدب المهجر بأمريكا.
ولكن أي هذه الآداب أشد تأثيرا في أدب الحجازيين؟ يقول الدكتور هيكل باشا:(إن عنايتهم بالأدب المصري تفوق عنايتهم بالآداب الأخرى).
وهذه العناية التي يذكرها هيكل باشا لم تكن إلا في السنين القليلة الأخيرة حينما فاقت مؤلفات المصريين مؤلفات غيرهم في بلاد الحجاز وحينما راجت صحفهم هناك، ولكن الأساس الذي بني عليه الحجازيون أدبهم والمعين الذي استمدوا منه مناهجهم إنما هو أدب