المهجر؛ ولذلك نراهم إلى الآن متأثرين اشد التأثر بأساليب هذا الأدب وطرائقه وإن مالت طائفة منهم إلى اتباع طريقة المصريين وفي بيان هذه الحقيقة يقول الأستاذ أحمد العربي:(أما أدب اليوم فهو وإن كان أدبا فنيا ما يزال في الطور الأول من أطوار نموه ونضوجه، فهو ماض في طريقه إلى الأمام، سائر بخطوات ناجحة موفقة لا يسع المنصف تجاهلها أو الغض من شأنها. ويرجع الكثير من الفضل في ذلك إلى آثار أدباء العربية العصريين التي تجاوب صداها في الشرق العربي فكان لها أحسن الأثر في توجيه الأدب العربي وتلقيحه بلقاح الحياة والطرافة والتجديد، وقد كان أثر أدباء المهجر من السوريين أقوى وأظهر في أدبنا الحديث حتى عهد قريب. أما الآن فقد بدأ يتحرر قليلا من قيود التقليد وأخذ يسند ساعده وإن كنا نجد لنفثات أقلام الأدباء المصريين أثراً متميزاً في هذه السنوات الأخيرة) ومع أن ثقافة الحجازيين لا تعدو الثقافة العربية، لأنهم لم يختلطوا بالأوربيين كما اختلط غيرهم إلا أنهم في العهد الأخير قد استطاعوا أن يستوعبوا الكثير من ألوان هذه الثقافة استيعابا يغبطون عليه: فهم يقرءون الكتب المترجمة عن هذه اللغات، وهم يقرءون إنتاج المتأثرين بالثقافات الأجنبية من أدباء مصر والشام والعراق وأمريكا في شوق وعناية، وقد استطاعوا باطلاعهم الحر على هذه الثقافة أن يثبتوا وثبة فكرية موفقة بدت آثارها فيما يكتبون ويشعرون.
وإلى عهد قريب لم يكن لتعليم اللغات الأجنبية نصيب في مناهج التعليم الحجازي، فأحس الأدباء حاجتهم إلى معرفة هذه اللغات ليتصلوا بالنهضة المتوثبة في بلاد الغرب. ويعبر عواد عن هذه الحاجة قائلا:(كم هي شديدة حاجتنا في الحجاز إلى اللغة الإنجليزية خصيصاً وإن عليها لمعولا ضخما في استعمال العلاقات بيننا وبين هذا الشعب الإنجليزي الهائل، فيجب أن يفهم كيف يستفيد من تلك العلاقات على اختلافها وتنوعها وكيف نستخدمها في مصالحنا فردياً وأمميا.
إلى أن يقول: من العبث أن يستغني الحجاز عن رواج اللغات الأجنبية ولاسيما الفرنسية والإنجليزية في مدارسه ومجتمعاته ونواديه رواجا لا كرواج العربية لغة حياتنا الأولى، لغة سيرنا إلى الأمام وإنما أقول: لنتكلم اللغة العربية ولكن لنتعلم اللغة الأجنبية أيضاً لنستفيد منها حضارة وعلوماً وأفكاراً) وقد تعلم بعض الحجازيين في العهد الأخير بعض هذه اللغات