فليس هو حيلة أسلوب، ولا فلتة تقع حيثما اتفق. إنما هو مذهب مقرر، وخطة موحدة، وخاصية شاملة. يفتن في استخدامها على طرائق شتى، وفي أوضاع مختلفة. ولكنها ترجع في النهاية إلى هذه القاعدة الكبيرة. قاعدة التصوير.
ويجب أن نتوسع في معنى التصوير حتى ندرك آفاق التصوير في القرآن. فهو تصوير باللون، وتصوير بالحركة - عن طريق التخيل - كما انه تصوير بالنغمة تقوم مقام اللون في التمثيل. وكثيرا ما يشترك الوصف، والحوار، وجرس الكلمات، وإيقاع الجمل، وموسيقى السياق، في إبراز صورة من الصور، تتملاها العين والاذن، والحس والخيال، والفكر والوجدان. وهو تصوير حتى من عالم الأحياء، لا لوان مجردة وخطوط جامدة تقاس الأبعاد فيه والمسافات بالمشاعر والوجدانات. فالمعاني ترسم وهي تتفاعل في نفوس آدمية حية، أو في مشاهد طبيعية تخلع عليها الحياة. . والآن نأخذ في ضرب الأمثال
١ - يريد أن يعبر عن معنى: أن الذين كفروا لن ينالوا القبول عند الله ولن يدخلوا الجنة إطلاقاً)، وان دخولهم فيها مستحيل. وهذه هي الطريقة الذهنية للتعبير عن هذه المعاني المجردة، ولكن أسلوب التصوير يعرضها في الصورة الآتية:
(إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها، لا تفتح لهم أبواب السماء، ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط) ويدعك ترسم بخيالك مشهدا لتفتح أبواب السماء، ومشهدا أخر لولوج الحبل الغليظ في ثقب الإبرة الصغيرة. (ويختار من أسماء الحبل الغليظ اسم (الجمل) خاصة في هذا المقام!). ويدع للحس أن يتأثر عن طريق الخيال بالمشهدين ما شاء له التأثير، ليستقر معنى (القبول) ومعنى (الاستحالة) في أعماق النفس، وقد ورد إليها من طريق العين والحس - تخييلا - وعبرا إليها من منافذ شتى، لا من منفذ الذهن وحده، في سرعة الذهن التجريدية.
٢ - ويريد أن يوضح حالة نفسية لتزعزع العقيدة، حيث لا يستقر الإنسان على يقين، ولا يحتمل كل ما يصادفه من الشدائد غفي سبيل عقيدته القوية، مبتعدا بها عن ملابسات الحياة اليومية، مرتفعا بها عن مقاييس الربح والخسارة. فإذا هو يرسم لها هذه الصورة المحسوسة.
(ومن الناس من يعبد الله على حرف، فأن أصابه خير اطمأن به، وإن أصابته فتنة انقلب