فرغت الصلاة خرجنا من عنده وكأنما على رءوسنا الطير.
وبعد أن سرنا في الطريق إلى منازلنا قلت لهم: ماذا رأيتم اليوم؟ قال أحدهم رحمة الله: ما هكذا كنا نسمع عن الرجل، كنا نسمع غير ما رأينا، فإذا هو مسلم صالح. فقلت وما رأيكم في علمه؟ فسارع أحدهم وهو الذي على قيد الحياة الآن قائلاً: وأي فضل له في هذا وهو منقطع لهذا العمل نحو ثلاثين عاماً؟ فقلت ولأي شيء منقطع أنت والدولة تدر عليك من المال ما يكفيك ويكفي من تعول، لتتفرغ لمثل ما تفرغ له هذا الرجل الذي لا يساعده أحد بفلس لينفقه على نفسه وعلى عياله؟ فبهت الرجل.
فرحمة الله عليك يا سيد رشيد، حفظت كتاب الله وحافظت عليه، وشغلت حياتك كلها في خدمته، فكلن جزاؤك في الدنيا أنك لم تفارقها إلا وكتاب الله بين يديك وتحت ناظريك تقرأ كلام ربك، وفاضت روحك وهو على صدرك. ألم يكن من علامات قبولك ورضا ربك عنك أن آخر آية من كتاب الله سطرت شرحها بخطك، ولم تطبع إلا بعد موتك هي قوله تعالى:
(رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلماً وألحقني بالصالحين).
فسلام الله عليك في المسلمين الأولين. وسلامه عليك في الصالحين المصلحين.