وسواء جلست في البهو أوفى إحدى الشرفات، فأنت حتما متجه ببصرك إلى الممثل وما سيجري فوقه، دون إحساس بالجماعة التي أنت فرد منها؛ والتي أنت جالس بينها وستخرج بعد قليل لتنضم إليها وتعيش في كنفها. هذا هو المسرح الذي نفجر به. مسرح مغلق حينما تجلس فيه تصاب باستغلاق فكري ونقص، يحولان دون كمال استمتاعك بما يمثل فيه من مسرحيات. وقل هذا عن بقية مسارحنا لأنها صورة مصغرة منه.
ونحن حين نطالب بتغيير هذه المسارح المغلقة بأخرى مفتوحة نريد مسارح حقيقية ليس فيها مظاهر الاستقلال البادية في المسارح القائمة الآن. وإذا كنا نربط بين ضرورة إجراء هذا التغيير وبين اتجاهات هذا الجيل الجديد من الممثلين، فليس معنى هذا أنه لم يكن عندنا ممثلون من قبل وإلا كنا كمن يجافي الحقيقة ويتجنى على بعض أعلام التمثيل الذين تستطيع مصر أن تفاخر بهم كبريات الفرق المسرحية. ولكنا نؤمن بأن ما قلناه ظاهرة تنطلق بها الفترة التي نمر بها من هذا العصر الحديث. وإذا التمسنا تفسيراً لهذه الظاهرة فلن نجده في المسرح وحده أو ممثليه لأن المسرح لا يستطيع أن يفسر ظواهره بنفسه منعزلاً عن العالم إلا إذا كان تفسير الشي بأتي من داخله - وهذا مذهب في التفسير لا تثق كثيراً فيمن يتبعونه؛ لأن أصحابه مصابون بضيق في الأفق، وسطحية في النظر وحصر في الفكر. ومادام المسرح نشاطاً إنسانياً خلاقاً، وأنه للحياة قبل أن يكون لنفسه؛ ومادامت الحياة التي تلون كل نشاط إنساني تتشكل - وتشكل معها كل نشاط - بروح العصر السائد، فإن طبيعة البحث تقتضينا أن نلتمس هذه الروح التي جعلت البعض ينادي بتعديل المسرح وأملت علينا ضرورة المناداة بتغييرها وتحويلها إلى مسارح حقيقة، ولن نجد هذا التفسير إلا في ثورة العصر الحديث على ما لمسناه من مظاهر الاستغلاق في المسارح القائمة. ويرجع أصل هذه الظاهرة إلى الانطواء النفسي والاجتماعي الذي كنا وكانت فنوننا مصابة به. ولقد جعلها هذا الانطواء فنوناً مغلقة من الناحيتين النفسيةوالاجتماعية - مثل مبدعيها - تقف ضد كل أسلوب جديد، وتتوهم أن كل شيء خارجي دخيل عليها فتكتفي بما هي عليه دون تطلع إلى مستقبل أو تطور. فيصيبها الانطواء بالركود والتعفن ويكاد يتهددها بالفناء لعدم إحساسها بالحياة وبعدها عن العالم الخارجي الكبير. ولعل هذا هو السبب الذي يلتمسه نقاد الفن ولأدب الغربيين عند بحثهم في أسباب تقطع الصلة بين الفن والحياة،