وعدم قدرته على تحقيق الوظيفة الاجتماعية التي هو مطالب بها. بل لعل هذا هو السبب في المحسنات اللفظية في الأدب وعناصر التطريب في الموسيقى، والمبالغة في الألوان في الرسم، والمغالاة في التمثيل على المسرح حتى أصبح الجمهور المتلقي لهذه الفنون والآداب واحدا من اثنين. فريق قليل يفهم فلا يطرب، وأغلبية طاغية يطرب لما لا يفهم. أما الفريق الأول فيرك أنه أمام أدب أو فن مغلق فقد شكله ومضمونه؛ الحقيقيين أما الجمهور الذي يطرب فلأنه ينساب مع البهرج فلا يلبث أن ينغلق ويتخدر.
هذه هني الظاهرة التي شملت كل مرافق الحياة والفن، نجدها متمثلة تماماً في المسرح باعتبار أنه أقرب إلى الفنون الحياة وأسرعها تأثراً بأساليبها، ونجدها على الأخص في بناء المسرح المتجمد الذي لا تنفذ الحياة إلى داخله، ويجمد من يجلس أمامه.
ويبدو أن المسالة لا يمكن إيضاحها إلا بإيراد عرض تاريخي لطرز المسرح؛ لنعرف تقدم مسارحنا أو تأخرهاعنها. ومن المعروف أن أول مسرح كان منصبه مرتفعة يتجمع الناس حولها في دائرة كاملة تمكن كل إنسان من رؤية التمثيل من خلال من حوله، ويشعره بوجود الجماعة المستمر. ثم تغيرت الطرز بعد ذلك حين جاء دور البناء ولم يستطيع التحكم في طبيعة الأرض التي تقام عليها المسارح. فأقيم المسرح اليوناني مثلاً في بطون الجبال ورغم تعذر تحقيق الدائرة المسرحية فإنه ظل نصف دائري ولم يفقد المشاهدين الشعور الجماعي. وكانت هذه المسارح رغم بدائيها سليمة، وسلامتها راجعة إلى أنها كانت بنت النفس البشرية الأولى التي لم تلحقها تعقيدات الحضارة الملتوية - كما حدث بعد ذلك. ولقد وضح التواء هذه الحضارات فيما ألحقته بالفن من شوائب أفسدته حين بنت المسارح على أنها سجون للفن: دور مغلقة لها أول ولها نهاية، يحدان من انطلاق البصر، وانسراح الفكر ويفسدان على الفن المسرحي طبيعته الحرة، واستهدافه الانتشار بغية تفتيق جوانب حياتنا وتوسيعها.
ولكم ارتفع صوتنا بضرورة تخليص المسرح من هذا الانغلاق؛ ومعالجة الإنسان المريض بالانطواء المرير. وقد ظن المسئولون أننا نبغي بذلك المسارح المكشوفة فقدموا إلينا المسرح الصيفي. والواقع أنه جاء خالصاً من بعض مظاهر الانطوائية - بعد أن تخلصت نفوس المشرفين عليه من بعض ما تنطوي عليه - ولكن بيت له أكثر مظاهر الانطواء