الموجودة في المسارح المغلقة، غير الحقيقة. فبناء الممثل الضيق ظل بعيداً في نهاية المسرح، معزولاً عن المشاهدين. وحال ما به من ضيق وعزلة دون انطلاق حركة التعبير. ولا نغالي إذ قلنا إن الحال ظلت كما كانت عليه في المسارح المغلقة. لأن الضيق والعزلة أشياء تضيق بها النفس، وتفقدها العثور بالحياة التي تتطلب الانطلاق التام وانعدام الحدود.
وقد يقال إن هذا الأمر لا يحسه إلا من جلس بعيداً عن المسرح، وإن علاجه في القرب من الممثل. ولقد جربت هذا فكانت المنصة العالية تحول دون الاستمتاع الكامل بما يجري فوقها لأنها تتعالى عن الجمهور. وأقسم أني كنت أشعر بأقدام الممثلين تروح وتجيء فوق رأسي بمجرد رفع الستار وبدء الرواية.
ولو أضفنا هذا الستار إلى ضيق الممثل لا كتملت لنا مظاهر الانطوائية لأنه يشعرنا ببقاء الحائط الرابع الذي لا يبدأ العرض الحقيقي إلا بزواله. وفي بقائه إيحاء بأن المسرح صندوق أسرار كبير إن باح ببعضها، أمسك بالجانب الأكبر منها. وهذه السرية الممرضة تتنافس وكيان المسرح باعتباره فناً من فنون العرض يهدف إلى تجسيم الأشياء التي تجري فوق الممثل بشكل لا يتأتى إلا إذا كشف كل جوانبها. ولقد هدمت نظرية الحائط الرابع مع هدم المسارح القديمة في القرن التاسع عشر. ومن المؤكد أن المسارح المفتوحة أو المنتشرة لم تكن لتظهر إلى الوجود قبل مناقشة نظرية الحائط الرابع هذه ومؤداها أن المسارح - قبل مجيء الطبيعيين كانت مثل مسارحنا: مسارح مغلقة على نفسها تريد إغلاق جمهور المشاهدين معها. فالممثلون في جهة والمشاهدون أن يتصلوا بالجمهور حالت دونهم المنصة المرتفعة وقد مج المشاهدون هذا الانفصال فكانوا لا يذهبون إلى المسرح إلا لمجرد تمضية وقت يتحدثون فيما بينهم أو يغازلون الممثلات - كما يحدث عندنا.
وهكذا كان حال المسرح - بعد المسرح الإغريقي السليم حتى مجيء أصدقائنا الطبيعيين وعلى رأسهم أنطوان الذي تبلورت فيه ثورة الناس على هذه الأوضاع السخيفة ورأى أن العلاج يتمثل في أن يشعر الجمهور بأنه ليس في مسرح بل أمام حياة فقضى على الفكرة القديمة - السائدة في مسارحنا - من ضرورة إبقاء الجمهور في الظلام لجذب انتباهه بطريقة مفتعلة إلى ما يجري فوق المسرح. أو تقديم مناظر مغرية تأخذ عليه وتحافظ على