وما قيمة الأدب إن لم يجعلنا أعزاء؟
وما هذه الخرافة التي تقول بأن من حق الأديب أن يعيش بلا مهنة تغنيه عن سؤال الناس؟
وكيف نهدي الناس إلى الخير ونحن نستهديهم المال؟
هل ننسى قول أبي العتاهية:
لو رأى الناس نبيَّا ... سائلاً ما وَصَلوهَ
إن الاحتياج إلى الناس بداية الانخذال، ولو كانوا من الأهل والجيران، فإن احتاج الأديب إلى معونة إخوانه وهو قادر على كسب الرزق بعرق الجبين فهو أديب زائف لا أديب صحيح
من واجب الأديب نحو أدبه أن يصونه عن إفضال المفضلين، لينطق بكلمة الحق في حرية وصراحة وإخلاص، وهذا لا يتيسر للأديب المحتاج إلى الإفضال
هل تذكرون ألقاب شعرائنا وعلمائنا في العصور الخوالي؟
كانت ألقابهم أنساباً إلى الحرف والصناعات، ففيهم الزجاح والقفال، والتمار والوقاد، والصبان والبنان والسراج والحداد والزيات واللبان، وكانت هذه الأنساب من أجمل التشاريف، وهي باقية على الزمان
وإذا كان التاريخ سجل أسماء تكسب أصحابها بالأدب فقد كان أولئك المتكسبون من حواشي الملوك. وقد اصطلح الناس بكل زمان ومكان على أن هبات الملوك تحيات لا معونات
وهل يتقدم ملك بتشجيع أديب إلا وهو يعرف أنه يضع جوهرة جديدة بين جواهر التاج؟
وما حظوظ الأدباء الذين ظفروا بهبات الخلفاء والملوك والأمراء؟ ما حظوظهم في التاريخ؟
كانوا من الموجهين في الحيوات السياسية والأدبية والاجتماعية، وكان إليهم المرجع في تدبير شؤون الملك، وكانوا المتصرفين في شؤون السلم والحرب
فما هو حظ الأديب الذي ينتظر هبات من أدباء لا ملوك؟
أعاذكم الله من احتياج الزميل إلى الزميل!
إن قتل النفس أهون من الاحتياج إلى الأخ الشقيق، فكيف نستسيغ الاحتياج إلى الرفيق؟
وفي أدبائنا من يتوهم أن نظم أبيات في هذا الفلان أو ذلك العلان تمنحه الرزق، فإن صح توهمه فسيكون رزقه من الرزق الحرام لا الحلال