وقد ظهر علمه وفضله أيام نيابته بالشام، فكان يجمع العلماء عنده في كل ليلة جمعة يتذاكرون بين يديه في أنواع العلوم والفقه وأعد لهم سماطاً كبيراً. ولما توترت العلائق مع العثمانيين كان من رأيه إلا يخرج السلطان من مصر، بل يبقى بها يمد الجيوش وهو في مأمنه حتى لا تتعرض البلاد للأخطار. وفي سبيل ذلك تحمل الكثير، وجاءت النتائج محققة لظنه مؤكدة حسن فراسته وبعد نظره، ولو أخذ برأيه لما وقعت الكارثة ولما زالت عظمة مصر والشام من التاريخ
وقد ذكر ابن إياس وغيره شيئاً من ذلك فقال أنه بعث إلى الغوري برسالة جاء فيها:(يا مولانا السلطان، أن الغلاء شديد بالبلاد الشامية وفيها نقص العليق والتبن، والزرع في الأرض لم يحصد، وليس ثمة عدو متحرك فلا يترك السلطان سره ولا يسافر، وإن كان ثمة عدو فنحن له كفاية) فلم يلتفت السلطان لكلامه واستمر على رأيه
ولم تكن القاهرة مرتاحة لخروج السلطان، فأخذوا يعيبون عليه أنه خالف ما اعتاد عليه الملوك السابقون في أشياء كثيرة من ترتيب الجيوش وجمعها، وأخيراً قالوا أنهم كانوا يخرجون في فصل الربيع والوقت رطب. أما الغوري فقرر سفره في فصل الصيف والجو في شدة حرارته. ثم أذاعوا أن الملوك إذا ذهبوا للجهاد كانوا يخرجون من الجهات النائية ولا تشعر القاهرة بمواكبهم إلا في عودتهم من ميادين القتال. وقد خالفهم الغوري في ذلك فشق العاصمة بموكبه عند سفره.
ولكن السلطان لم يكن ليلتفت لشيء من ذلك بل بقي متمسكاً برأيه في جميع الأمور ونفذ ما يريد.
وتحرك ركاب آخر سلاطين مصر والشام ومعه الجيوش المصرية في يوم الجمعة ٢٠ ربيع الآخر سنة ٩٢٢هـ قاصداً الشام عن طريق الريدانية فسر ياقوس ثم الصالحية فقطيا إلى غزة التي أقام بها ثلاثة أيام.
ويقول المحلي: (ولما كان السلطان في غزة وردت إليه مكاتبة من الأمير سيباي يذكر فيها: الذي يعرضه المملوك على المسامع العالية أعلاها الله تعالى وأدامها أن العبد سمع بأن السلطان يريد السفر لقتال ابن عثمان، وإن المملوك يقوم بهذا الأمر ويكون السلطان مقيما