بمصر ويمد المملوك بالعساكر المنصورة. والذي يعلم به مولانا السلطان أن خير بك ملاحي علينا ومكاتيبه لا تنقطع من عند ابن عثمان في كل حين) فرد عليه الغوري هانحن قد جئناكم بأنفسنا. ثم أمر برحيل الجيوش والعساكر وهم يموجون كالبحر الزاخر.
في يوم الاثنين ١٨ جمادي الأولى سنة ٩٢٢ استقبلت دمشق العاصمة الثانية الملك الأشرف أبا النصر قانصوه الغوري، وقد حفظ لنا التاريخ وصف ذلك اليوم الخالد فقالوا: إن موكبه دخل من باب النصر وشق المدينة وخرج منها إلى ناحية القابون العليا، حيث كان معسكر الجيش وأقام تسعة أيام بمصطبة السلطان. ولم يتفق مثل موكبه لسلطان من سلاطين مصر بعد الأشرف برسباي سنة ٨٢٦ هجرية فدقت البشائر بقلعة دمشق - وكانت عامرة - وزينت المدينة أجمل زينة وفرشت شقق الحرير تحت أرجل خيله ابتداء من جامع سيباي، ويذكر ابن إياس أن قنصل الفرنجة بدمشق وتجارهم اشتركوا مع الأهلين في الترحيب بملك مصر ونثروا دنانير الذهب عليه وجاء رئيس دار الضرب بدمشق المحروسة المعلم صدقة الإسرائيلي، فنثر نقوداً من الفضة جديدة ضربت لهذه المناسبة السعيدة.
وكان سيباي قد خف إلى ناحية سعسع على طريق مصر، وقيل إلى طبريا لاستقبال الغوري، ولما دخل دمشق كان بجوار السلطان يحمل له القبة والجلالة، كما جرت بذلك المراسيم المعتادة للملوك المصريين
وسار الغوري إلى حلب ومعه سيباي وأمراء الشام، وهناك تجمعت جيوش ممالك مصر والشام وحلب استعداداً ليوم مرج دابق - وليس هنا موضع درسه ولا بحثه - وإنما نذكر حادثة وقعت هناك أن دلت على شئ، فهو جرأة سيباي وصراحته المتناهية، وهي أن والي عين تاب، وكانت من أعمال مصر، انضم إلى العثمانية، فلما رأى أهبة المصريين ندم على ما فعله، وجاء إلى السلطان منضماً إليه تائباً، فلم تجز عليه حيلته، وأعدم لتسليمه المدينة، وكان ذلك بحضور الأمراء والنواب والأعيان، فقام من بينهم سيباي وقبض على خير بك نائب لب وجره بين يدي الغوري وقال:(يا مولانا السلطان أن أردت أن ينصرك الله على عدوك فأقتل هذا الخائن) فقام الغزالي وقال (يا مولانا لا تفتن العسكر ونبدأ في قتال بعضنا بعضاً: وتذهب أخباركم إلى عدوكم ويزداد طمعه فيكم وتضعف شوكتكم