للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

النفس الحية والفكر المهذب بأوثق الأسباب، واختلف أدباؤه كل منهم يخص فنا أو فنونا منها باحتفائه. أما في عصور التدهور والركود فتضيق دائرة تلك الفنون ويتعلق كثير منها بالسطحي والتقليدي من الأقوال، ويتفق أكثر الأدباء في طريقة تناول تلك الفنون المحصورة

والأدبان العربي والإنجليزي قد تناولا أشتاتا من فنون القول، وعبرا عما لا يحصى من أفكار الإنسان ومشاعره، واتفقا في كثير من ذلك لاتفاق الطبيعة الإنسانية في كل مكان، واختلفا في مدى الاحتفال ببعض الفنون والأعراض عن بعضها لاختلاف بيئات الإنسان من إقليم إلى آخر، وظهرت في كل منهما على تعاقب العصور مواضيع لم تكن معروفة من قبل، وحظيت مواضيع دون أخرى بالحفاوة والصدارة؛ فالشعر الحماسي كان في العصر الجاهلي هو الفن الرئيسي، لما كانت تتطلبه الحياة القبلية من التعبير عن صفات القوة والغلب، ثم حلت الخطابة السياسية في صدر الإسلام محل الشعر، ثم احتل الصدارة في العصر الأموي النسيب والمهاجاة، وهلم جرا. وفي الأدب الإنجليزي بلغت الخطابة الدينية الوعظية شأوها في عهد المظهرين، وملكت الطبيعة جل اهتمام الشعراء في العصر الرومانسي، وفاز التحليل القصصي النفسي والاجتماعي بالصدارة في العصر الحديث

ولعل النسيب أحظى فنون الأدب باحتفال الأدباء في شتى الأمم، لما يصدر عنه من عواطف وغرائز متأصلة في النفس الإنسانية على اختلاف البيئات. وقد بلغ من احتفاء العرب به أنهم لم يقتصروا على الحديث عنه في مكانه، بل استهلوا به منذ عهد الجاهلية قصيدهم. ولم تخل من حديث الحب أكثر روايات شكسبير في القديم وقصص هاردي في العصر الحديث. فوسع الأدبان شتى الأوصاف لحالات الحب الراضية وأطواره الغاضبة. وإلى الحب يرجع الفضل في كثير من الآثار الأدبية وفي تكوين نفوس كثير من الأدباء، وحول حديثه يدور جانب عظيم من كل أدب؛ وقد غلا قوم فعدوه مصدر كل أدب وفن

والرثاء فن معدود من فنون الأدب في العربية والإنجليزية، يمتاز كثير من آثاره بالصدق وحرارة العاطفة وعمق التأمل. وذاك لأن حلول الموت ينقض الشمل وينغص المسرة ويذهب بالإلف، فيبعث في نفس الأديب ثورة، ويدفعها إلى مراجعة التأمل في الحياة، ويستخرج خير ما في النفس من صفات الوفاء والمودة وعذب الذكريات وخلجات الحنين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>