ولحون الطير، ونور الصباح، وعبير الضحى، لتعينه على الهتاف للمليك إن عاونته تلك العوامل كلها على أن ينتمي لبلابل الخلد السواجع
وانظر إلى ذلك الشادي من أين يقبس قريضه. . من الطبيعة الوارفة ومن الأيمان الصادق:
شاديك من قصب الفرادس غايهُ ... ومن السنا والطيب عُل عناؤه
ومن الصَّبا نهلتْ حلالَ أراكةٍ ... سجواَء، نافجها غفت أنداؤه
ومن الطفاوة في أصيل خاشع ... سجدت على زهر الربا أضواؤه
ومن المساجد هينمت تحت الدجى ... صوفيُّها سجدت على زهر الربا أضواءه
ومن الشعاع المستهام بقبلة ... في النيل طهرها هوَاه وماؤه
ومن السنا الرقراق في قدح الضحى ... أغرى النديم فولولت صهباؤه
وشاعرنا كثير التبرم بالقلوب الغوادر وما جبل عليه الناس من فضول وتهاتر، ولكنه يرتد ساخراً هازئاً لاعتداده بنفسه، وعرفانه بقيمته وبفيض من حنانه على (الغراب) قسيمه في الحظوظ وصاحبه في الجدود وقرينه في تحامل الناس الظالم دون إثم يبرره:
وأنت - كمثلي - هارب من فضولهم ... جوابك للأكوان: إني ساخر!
فدعهم يلوكون الحديث، وأصغ لي ... فما منهم للسمع إلا التهاتر
سلاماً قسيمي في الحظوظ. . وصاحبي ... وقد أرخصت عهدي القلوب النوادر
عشقتك منذ النخل مد ظلاله ... عليَّ تغاديني وبه وتباكر
ويكاد يتفرد الشاعر محمود بقوته الهادرة وفتوته الفائزة في كل ما يقرض من النظم حتى حين يتحدث إلى موسيقى النقوش
ابعثي اللحن يدَّوي ... كيفما شئت وشاء
لن ترىْ في الأرض سمعاً ... يشتهي هذا الفناء
غير سجعي فهو من دن ... ياه في دنيا فناء
لكنه كغيره من الشباب إذا أحب وعف واعترضت العقبات سبيله راح يتفجع ويتوجع وإن كان لا يسف إلى درك التوسل والاستعطاف، بل يهدد وبتوعد. . يهدد بالجنون والانتحار والفناء
وانظري جذوة الهوى في خيالي ... وشحوب الفناء في نظراتي