وتهاويل من بقايا جنون ... خلفتها الأحزان فوق سماتي
وبريقاً من الشباب المولى ... كهشيم الريحان فوق الرفات
منية أزهقت وأخرى تعايا ... والبقايا في الصدر منتحرات
أسرعي قبلما تغيب الأماني ... في دخان الهموم والحسرات
وتصيرين في الهوى قصة الغد ... ر وأسطورة على نغماتي
أسرعي قبل أن تموت الأغاني ... فتناجيك، بعدها مرثياتي!
وما أحسب الشاعر ينتوي ما يهدد به ولكنه يتوعد حبيبه بشر ما ترتاع له النفوس حتى ينطلق من محبسه ويثور على أغلاله وإلا ما قال بعدئذ:
حجبوك عن نظري وخلوا مهجة ... حيرى يجرعها الهوى أتراحه
وأنا الذي سأظل باسمك هاتفاً ... حتى يمد الموت نحويّ راحه!
حجبوك هل حجبوا نفاثة عاشق ... أضرى الغرام جلاده وكفاحه؟
متولع بهواك ما أغرى به ... بينٌ ولا فلَّ الفراق سلاحه
وهو ليس دائم الشكوى والنواح بل طالما ركن إلى الصمت القاتل وكبت مشاعره حتى لا يستذله الضعف وبعد أن صدف الناس عن الشكوى وتغافلوا عن الشاكين:
والناس. . لا ناس إذا خلجت ... عيني. . كأني في الحياة عَمِ
صدفوا عن الشكوى فلا أذن ... تصغي لما رتلت من نغم
حسبوا أنين القلب فلسفة ... عبثت بها أنشودة القلم
فتغالوا عني ولو علموا ... شربوا صباب الدمع من ألمي
أنت عاتبت على الصمت. . . فاسمع ... نغمات الجراح تحت الجنوب
أنا همس يموت في قلب ناي ... نبذته الرياح خلف الكثيب
أنا صمت الكهوف يهتز للوحي ... إذا هل في السكون الرهيب
وقصارى ما يقال في شاعرنا الفذ أنه ينتزع مادته في جميع الاتجاهات والأوضاع من الطبيعة الساحرة في صمتها وشجوها وتغريدها لا من التأثر الدراسي أو الاطلاع الفردي وحدهما، بل إنني كنت مع بعض الواهمين قبل أن أعرفه في أنه قد قبس كثيراً من معانيه البكر من شعراء الفرنجة الطبيعيين أمثال وردثورت وشيلي وبيرون.