للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مناظر المدينة. ثم عادوا آخر النهار ومعهم بعض حلوى المولد من عرائس ولعب.

فلما كان آخر يوم لهم بالقاهرة، وقد اعتزموا الرجوع إلى قريتهم في الغد، خرجوا لقضاء حوائج لهم وليستمتعوا بفرجة أخيرة على زحمة المدينة وقت الأصيل وبهجة أضوائها بالليل. فلما قضوا أربهم وقفوا بمحطة للترام ليستقلوه عائدين.

وكان الزحام شديداً، والمركبات تأتي غاصة، كأنها أكداس بشرية تتحرك. وجاءت المركبة التي يريدونها بعد طول انتظار لكن ليس فيها موضع لقدم أو مسكة ليد، فلما أراد الحاج إبراهيم أن يركب هو وأهله صاح فيهم (الكمساري) ليبتعدوا ونفخ في زمارته بشدة وانطلق.

وجاءت مركبة ثانية وثالثة ولا يمكنهم الركوب، حتى عيوا من طول الانتظار. وجاءت مركبة آخر الأمر تريثت في وقفتها بعض الشيء فاستجمع الحاج إبراهيم نفسه وأهله ليحشروا بين الراكبين بأية طريقة، ورفع ابنته الصغيرة بين يديه فاندست وغاصت في داخل المركبة بين الواقفين وهم بأركاب امرأته وابنه. ونظر الكمساري فرأى أربعتهم يريدون الركوب وليس لهم موضع، والوقفة طالت، ولم يكن رأى الطفلة التي أركبت، فصاح فيهم صيحته ونفخ نفخته وانطلق، وجرى الحاج إبراهيم وراء المركبة وهو يصيح بالكمساري مستوقفاً لينزل ابنته أو يركبوا معها، وصاح بعض الراكبين بالكمساري ليفعل ذلك ولكن الكمساري لم يفطن إلى ما حدث بالضبط إلا بعد أن كانت المركبة قد استكملت سرعتها والرجل يجري ليلاحقها بين السيارات المندفعة بسرعة مخيفة من كل ناحية.

وزمر الكمساري مستوقفاً السائق لكن السائق أصم أذنيه عن زمره وقال في نفسه إن الذي فاته النزول في المحطة السابقة يضيره كثيراً أن ينزل في المحطة القادمة.

وعجز الحاج إبراهيم عن ملاحقة المركبة، وأشفق على امرأته وابنيه أن يجروا وراءه فيصيبهم شيء فتوقف وعاد إليهم، وأمرهم بأن يبقوا في موضعهم ولا يبرحوه أبداً حتى يلحق بالبنت ويعود بها إليهم.

وكانت المركبة قد بلغت المحطة الثانية فأنزل الكمساري الطفلة الباكية وقال لها: اجري عودي لأبيك.

وجرت الطفلة عائدة متتبعة شريط الترام، لكنها لم تمش إلا قليلاً حتى رأت شريط الترام

<<  <  ج:
ص:  >  >>