للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يتفرع إلى فرعين في شارعين مختلفين، فوقفت متحيرة في أي الطريقين تمشي لتجد أهلها. ثم تخيرت أحدهما. . . وكان الطريق الخاطئ!

وجاء الحاج إبراهيم مسرعاً صوب الترام مؤملاً أن يجد ابنته واقفة عندها. فلما لم يجدها غاص قلبه إلى رجليه، ووقف ينظر حوله طائر اللب. ثم أخذ يسائل عنها من يلقي من الناس فلم يجد أحداً يعرف من أمرها شيئاً.

ومشى واسع الخطى إلى المحطة التالية لعل ابنته تكون أنزلت عندها، ثم وقف هناك يحوقل ضارباً كفاً بكف.

ومشى محطة ثالثة ورابعة. . . حتى يئس من هذا الهيام على غير طائل. وذكر الذين تركهم واقفين في غربة مخيفة وقلق ممض فصاد أدراجه إليهم.

والطفلة أين ذهبت؟!. . لقد أخذت تسير وتبكي، وتقف تنظر حولها باحثة عن أهلها؛ ثم تسير وتبكي. . . حتى يئست من لقائهم فقعدت تعول وتنتحب.

وكان الناس يمرون بها رائحين غادين، لكن لدى كل من شئونه ما يشغله عن طفلة تبكي وما قد يكون أبكاها من تافه الأسباب. لم يكن يقف عندها إلا بعض الصبية بدافع الفضول وليضحكوا من طريقتها الريفية في العويل والبكاء. ومر بها رجل استلفته بكاؤها فوقف يسائلها عن خطبها ثم نفد صبره وشيكا لما أبطأت في الجواب ومضى لشأنه.

ثم أقبل رجل في مقتبل العمر يمشي الهوينى، فليس لديه كغيره من الناس عمل معين يقصد إليه. واستلفته بكاؤها فوقف برهة ينظر إليها. وفهم بسرعة ما حدث لها فلمعت عيناه بذكاء شرير وافتر فمه عن ابتسامة كريهة وأسنان ذهبية.

وناداها (سعدية!!). وكان قد سمعها تسمي نفسها لبعض الصبية الواقفين.

- سعدية!!. . أبوك أرسلني إليك. . . تعالي!. اجري! وانتبهت الطفلة كغريق لمست يده شيئاً، ونظرت إلى الرجل وكفت عن البكاء.

واستطاع الرجل بقليل من اللباقة والحنان المصطنع أن يستهوي الطفلة الملهوفة فأسلمته ذراعيها وانطلقا.

وركب وإياها الترام - كما قال له أبوها! - ثم نزل وإياها في مكان ما. ومشى إلى باب فطرقه وفتحت الباب فتاة طويلة نحيلة، في عينيها المرهاوين كحل كثير، وعلى وجهها

<<  <  ج:
ص:  >  >>