الزارع والصانع والتاجر والعالم والأديب والموظف قد اثبتوا بهذا العرض الموفق في إخلاص غير غالٍ ولا مفتعل، أن مصر التي تسير في مؤخرة الدول بسياسة الكلام، تجرى في مقدمة الشعوب بسياسة العمل!
ودلالة ذلك أن بين الأمة وقادتها حجاباً من الجهل والعزلة لا ينفذ منه الشعاع، ولا تنعكس عليه الروح، ولا ترتسم فيه مقاييس التقدم! على أن أكثرنا لا يزيد علمه بهذا البلد المظلوم على علم هؤلاء القادة؛ فقد كنا نرى في المعروضات الأهلية والحكومية نفائس الصناعة ودقائق الفن، من ضروب اللباس والأثاث والآنية والزينة، فيداخلنا الشك في أنها مصرية؟ ولكنا نرى بجانبها الآلة تدور، والصانع يعمل، والمنتوج يخرج كالمعروض في دقته وأناقته، فيستولي على المرء شعور قوى غريب، فيه الخجل من سوء الظن، وفيه اللذة من دهشة المفاجأة، وفيه الاقتناع بصحة النهضة، وفيه الاطمئنان على سلامة الوطن. هذا الإنتاج الفاخر هو الذي يقدمه إليك التاجر الأوربي في بيوت البيع الكبيرة بلسانه المعسول وغلافه المقبول وكلمته الواحدة وسِمَته المزورة، فتشتريه بالثمن الغالي على أنه وارد من البحر، قد تجشم اكلاف النقل، وتكلف رسوم الجمرك وتكبد أضرار الخسارة، وهو مصري اشتراه الأوربي بالغبن وباعه بالخديعة، وحرم الصانع المصري المسكين أجر العمل بسرقته القِيمة، ومجد الصنعة بسرقته النسبة. وعلة ذلك كله أن المنتج المصري قد جعل الكذب جزءاً من رأس المال، وأن المستهلك المصري قد جعل المساومة شطراً من الثمن، فكان لابد من هذا الوسيط الأجنبي بينهما ليستر بخداعه كذب المنتج، ويبطل بمهارته مساومة المستهلك!
معرض هذا العام قطعة من الفن العجيب عملت فيها يَدٌ صَاعٌ وفكرةٌ فنَّانة؛ فالوزارات والمصالح تتقدمها وزارة المعارف ووزارة الزراعة من جهة، والشركات والجمعيات تتزعمهما شركات بنك مصر والجمعية الزراعية من جهة أخرى، تضافرت كفاياتها وتسايرت رغباتها على تمثيل النشاط المصري هذا التمثيل الناطق الصادق المعبر، فلا تجد عملاً من أعمال اليد، ولا أثراً من آثار الذهن، إلا منظوماً بفن، ومعروضاً بذوق، ومشروحاً بخبرة، حتى أخلاق الموظفين والمنظمين والعارضين والمتفرجين - إذا استثنيت