غضب أبيهن، ولكنهن لم يرين أمهن الصبور الهادئة كيف تحتال بكل حيلة لتفتأ غضبه. فأثر ذلك فيهن أثراً حميداً.
كانت إليزابيث كبرى البنات فتاة طويلة القامة، ساحرة العينين، في ملامحها كثير من الجد والسكون؛ وكانت هادة باردة الطبع، قليلة النشاط نوعاً ما؛ وكانت أعمال البيت تضايقها وتثير نفسها الاشمئزاز، ولعل مرد ذلك إلى كسلها والى ورغبتها في القراءة؛ فكثيراً ما كان يرى في يدها كتاب، لا تكاد تفرغ من عمل حتى تعود إليه. . .
وكانت تانيا صغراهن على نقيض إليزابيث، فتاة لعوبا مرحة لا تفتأ تثب هنا وهناك حتى لتملأ البيت كله بضحكها وصوتها الساحر الجميل. وكانت تسمى في البيت (الشيطانة الصغيرة)، وكان لها ولع بالموسيقى، وكانت متقدة العاطفة؛ تملأ قلبها حرارة الشباب، تحب صاحباتها فتستغرق في الحب، ولا تني تظهر لكل من يراها إعجاباً بنفسها وفرط إحساسها بذاتها.
وكانت وسطاهن صوفيا، أو سونيا كما كانت تسمى في البيت، وسطاً بين أختيها: تميل إلى تاتيانا وتحب مرحها وتنكر من إليزابيث سكونها وانطواءها على نفسها.
وكانت سونيا موفورة العافية، نشطة متوردة الوجنتين، براقة العينين؛ وكانت ذات جمال وفتنة وبخاصة عيناها الواسعتان الرماديتان. . .
ولئن كانت تحب صوفيا مرح أختها تاتيانا، إلا أنها كانت تحس أبداً أن هاجساً خفياً لا تدريه ولا تنكره يوحي إليها شيئاً من الحزن المبهم الذي يشوب مرحها دائماً، فلا تحس سروراً إلا أحست معه شيئاً من الحزن؛ كتبت لتاتيانا ذات مرة تقول (إن تلك الموهبة التي تحسدين عليها وهي الاستمتاع بكل شيء وبكل شخص بارزة فيك كل البروز، أما أنا فعلى عكس ذلك، إذ أجد ثمة شيئاً حزيناً في كل مرح وكل سعادة).
وكانت سونيا رحيمة بأخوتها، تؤدي عمل البيت في غير ضجر أو كلال؛ وكانت مولعة بالأدب والتصوير الموسيقي؛ وقد احتفظت منذ الحادية عشرة بدفتر تثبت فيه ملاحظاتها؛ وقد جاء فيه عن قراءتها قولها (لقد أحدث كل من (عهد الطفولة لتولستوي ودافيد كوبر فيلد لدكنزي في نفسي أعظم الأثر، ولقد بكيت حين فرغت من قراءة كوبر فيلد لأني سوف أفترق عن أولئك الأشخاص الذين باتوا أعزاء إلى قلبي).