وكان يغشى بيت بيرز كثير من الأضياف، وبخاصة في يومي السبت والأحد، وكانت بنات الطبيب زينة الدار، وكانت أمهن شديدة الرقابة عليهن تحدجهن حدج الملامة أمام الضيوف، أو تنصح لهن بكلماتها إذا خلت إليهن. . .
وأخذ البنات يغشين المجتمعات ويشهدن حفلات الرقص ويشاركن فيها، وقد ذهب لهن صيت في الجمال والظرف والرشاقة وحسن الذوق.
وكان أول من أعجب بسونيا معلمها الشاب، ولكنها كانت لا تكترث له، ولا تعبأ بتنهداته، وبينما كان يعينها على نقل مقعد إذ أمسك بيدها وقبلها، فصاحت به كيف تجرؤ على ذلك؟ ثم أرادت أن تريه مدى احتقارها إياه فمسحت بمنديلها موضع شفتيه من يدها؛ ثم إنها أخبرت أمها بما فعل فلم تعفها من اللوم قائلة (لم لا تسلكين مسلك أختك إليزابيث من الجد والاحتشام) وأبعد المعلم المسكين عن البيت. . .
وأعجب بها بعده ضابط شاب، وكان ينتمي إلى أسرة غنية يدعى بولفانوف، وأحست سونيا انجذاباً نحوه، ولما قبل يديها ذات مرة لم تغضب ولم تشمئز، ولكنها أحست النشوة في هيكلها كله وباتت تتوقع ةتحلم. . .
ولما هم بالرحيل صارحها برغبته في أن يتزوجها، وجعل لها الخيار أن تعدل عن رضائها إذا رضيت، وذلك إذا اضطرته ظروف الحياة أن يغيب عنها. . . وأخذ أهلها هذا على أنه بعض عبث الشباب. . .
كانت أول زيارة ذات بال من جانب تولستوي لأسرة بيرز سنة ١٨٥٦، وقد أشرنا إلى هذه الزيارة من قبل، وقد أعدت المائدة له ولمن كان معه من الضيوف إليزابيث أوليزا كما كانت تدعىوأختها سونيا، وكانتا يومئذ طفلتين فلاعبهما تولستوي وضاحكهما وجلس بعد الطعام يقص عليهما القصص من سباستبول وما كان من أنباء الحرب، وكانتا قد قرأتا (عهد الطفولة) و (عهد الشباب) وسرهما ما جاء في الكتابين عن جدهما لأمهما وقد كان كما ذكرنا صديقاً لأبيه. . . وأحست البنتان سروراً عظيماً لجلوسهما بين يدي الكاتب النابه، وداخل تولستوي السرور مما أحس في الأسرة كلها من هناءة وأعجب بالبنتين وأختهما الصغيرة وما أشعنه حولهن من مسرة. . . ولقد أسرعت سونيا بعد رحيله إلى الكرسي الذي كان يجلس عليه فربطت رجله شريطاً لتعرفه. .