وفي سنة ١٨٦١ بعد عودته من رحلته الثانية إلى أوربا، زار تولستوي أسرة بيرز، فأعجبه ما رأى من تغير البنات فقد غدون آنسات يغشين المجتمعات ويأخذن زينتهن في كل مجتمع؛ وتهفو إليهن أفئدة الشباب. . .
وتحدث إلى ليزا حديثاً في الأدب والدين وأفاض في الكلام عن مدرسته، وأوحى إليها أن تكتب شيئاً عن محمد النبي العربي وعن مارتن لوثر؛ وجلس مع سونيا إلى البيان، ولعب معها الشطرنج؛ وعابث تانيا وضاحكها وقص عليها من قصصه. . .
ولم يصرفه اهتمامه بمدرسته عن أسرة بيرز فأكثر من زيارتها، ورفعت الكلفة بينه وبينهم فكان يأتي إليهم في أي وقت وكأنه واحد منهم، وألفه البنات وألفهن، وكن يشرن إليه بقولهن (الكونت) وألفه كذلك خدم الدار وبات يحبه ويأنس بلقائه كل من يراه. . .
وتحدث الناس أنه عما قريب سوف يخطب ليزا إلى أهلها، فقد قيل إنه ذكر لأخته مرة أنه تزوج يوماً ما فستكون عروسه من آل بيرز. . .
وبلغ حديث الناس آل بيرز فسرهم ذلك أبلغ السرور، ففي زعمهم أن ليزا خير من تصلح زوجة للكونت، وبات الأبوان يرتقبان الخطبة، وسمعت بذلك ليزا فزادت من عنايتها بمظهرها، وباتت تحلم أحلام الحب والسعادة وفي نفسها عن (الكونت) أنها قد شغفته حباً. . .
ولكن تولستوي كان لا يحس في نفسه أنه يحبها، فقد جاء في مذكراته في شهر مايو سنة ١٨٦١ قوله (قضيت يوماً بهيجاً عند آل بيرز، يجب ألا أقدم على زواج ليزا) وقال في سبتمبر (أن إليزابيث بيرز تغريني، ولكني لن أدع ذلك يحدث، فإن مجرد الإغراء الذي لا يصحبه أي شعور ما غير مجد).
وأحس أن سونيا تزداد كل يوم قرباً إلى قلبه، كما كانت تزداد حسناً، وأحست الفتاة زيادة اهتمامه بها، وكان صاحبها بوليفانوف قد غاب عنها غيبة تشبه القطيعة، وكانت تتوجد أحياناً، حتى لتجهش إذا خلت إلى نفسها. ولما رأت إقبال تولستوي عليها أحست مع حسرتها على صاحبها وحيرتها من مسلك الكونت، وباتت تسأل نفسها: أهو حقاً يحبها؟ ثم لا تلبث أن ترى أنها واهمة فتذكر بوليفانوف، ولكنها لا تكاد تلقى تولستوي حتى تملأ نفسها الحيرة.