وعرج تولستوي على موسكو في صيف سنة ١٨٦٢ وهو في طريقه إلى سمارا، فزار آل بيرز؛ وكانت سونيا يومئذ تميل بخيالها إلى تولستوي، ولا تكاد تذكر بوليفانوف، وكان يحس الكونت نحوها أن قد أخذ يمس قلبه الحب.
ولما قص تولستوي على الأسرة كيف اضطر إلى بيع قصته قبل أن يتمها أو يهذبها ليؤدي بثمنها دينه بعد خسارة في الميسر، لم تقو سونيا على حبس دموعها رثاء له وتألماً من مسلكه. ولما رحل عنهم كانت سونيا حزينة تطيل النظر صلواتها فدنت منها (الشيطانة الصغيرة) تاتيانا وسألتها في خبث (أتحبين الكونت يا سونيا؟) فأجابت أختها في دهشة (لست أدري. . .)
ولما عاد تولستوي من سمارا إلى قريته والغضب ملء نفسه مما فعل الشرطة بداره ومدرسته، أنساه غضبه زيارة من زوجة بيرز ومعها بناتها في أجمل ملابسهن الصيفية لأخته ماري في ياسنايا بوليانا.
وشاع في نفسه السرور بهذه الزيارة، وكانت تراه عمته تاتيانا وأخته ماري وكأنه من فرط مرحه قد عاد إلى سن العشرين، وباتتا ترتقبان أن يطلب يد ليزا.
وبلغ من حفاوة تولستوي بالفتيات أن عمل مع الخدم في إعداد سرر نومهن بنفسه، وكن في الحجرة التي جعلت لهن يؤدين بعض ما يتطلبه هذا الإعداد وكم ضحكن في مرح وغيظة والتقت عينا تولستوي بعيني سونيا، وكانت بينهما نظرة طويلة وكأنه لم يرها إلا في هذه اللحظة فإن شيئاً يحسه ولا يدري كنهه يسري في هيكله كله، وأن عينيها لتحدثانه حديثاً يفهمه حتى كأنه الهمس، وأن عينيه كذلك لتحدثانها بكل ما في نفسه. .
وضرجت الحمرة وجهها فأشردت نظرتها ولكن بعد أن نفذت إلى قلبه.
وزاره في اليوم التالي صديقه فت وبعض أصحابه فخرجوا مع البنات إلى الغابة قضوا نهارهم فيمرح كان البنات مبعثه كما كن مبعث ما شاع حولهن من جمال وفتنة.
ولما رحلن إلى إفتسي حيث أرادت أمهن أن تزور أباها في ضيعة التي ورثها من أمها في هذه القرية التي كانت تبعد نحر أربعين ميلاً عن ياسنايا، لم يطق تولستوي الوحشة بعدهن، فلحق بهن على جواد أبيض ونظرن فإذا به بينهن.
وكان القصر في افتسي حافلاً بالضيوف، وكان عدد السيدات والآنسات بينهن بنات بيرز