ويمضي في الخير، وهو في غمار الناس لا يستشرفه أحد من الناس، ولا يشرئب هو بعنقه إليهم. فإذا نحن رضينا بذلك كان انتدابنا إلى أداء الواجب من تلقاء أنفسنا غاية ما يحرص عليه أماثلنا، ولم يكن إعجاب الناس ولا ثناؤهم بما يطمع فيه الكرام أو تطمع فيه الكرام أو تطمح إليه النفوس العالية.
ولقد كان في مصر في مختلف العصور جماعات كثيرة، بلغت من سمو النفس أنها أدت واجبها، ولم تعبأ بأن يتخلف عنها في التاريخ ذكر. ومضى التاريخ بذكرياته وأسمائه، فلم يذكر من هؤلاء إلا النزر اليسير. ونحن اليوم موردون ذكر اثنين من هؤلاء أبى الله إلا أن يحفظ لنا اسميهما لتكون تلك آية دالة على أن فيمن مضى جماعات لا عد لأفرادها أدوا واجبهم، ومضوا في ثنايا ضباب الماضي، ولم يعبأوا بأن يلتفتوا التفاتة واحدة إلى الناس يطلبون منهم شكراً ولا ثناء. وتلك هي مكارم الأخلاق ومروءة الحياة.
كان في مصر جماعة الأمراء المصريين الذين يظلمهم التاريخ بأن يطلق عليهم اسم (المماليك)، وكانوا يسمون أنفسهم الأمراء المصريين. ومهما يكن من محامدهم أو مساوئهم، فقد كانوا معتزين في كل الأحوال بمصريتهم يحبون هذه البلاد كأعظم ما يحب الرجل بلاده.
وكان من هؤلاء الأمراء من استقل بمصر استقلالاً تاماً وأحاط ذلك الاستقلال بسياج من قوة قلبه وحماسة نفسه. ثم عدت على ذلك الاستقلال العوادي فآثر أن يبذل دمه قبل أن يبصر صرحه ينهار، وقضى قتيلاً في دفاعه كما يموت الأسد وهو يدفع عن عرينه. وكان أحد هؤلاء أمير مصر الأشهر على بك بلوط قبن المعروف بعلي الكبير. وقد كان في أيام هذا الأمير كثيرون من الأفاضل الأمجاد، منهم أخوان من نسل هاشمي حسيني: أحدهما اسمه السيد علي بن موسى الحسيني الأزهري المصري، والآخر اسمه بدر الدين الحسيني المصري. ويعرف كل منهما بابن النقيب، لأنهما من سلالة بيت كان منه نقباء في بيت المقدس. وكانا عالمين، نالا من العلم أقصى ما ينال من زمانهما. وبلغا من ذلك مرتبة التدريس، فكان أكبرهما (على) يدرس في المشهد الحسيني التفسير والفقه والحديث، وتبعه أخوه الأصغر بعد موته في إملاء الحديث في المشهد الحسيني نفسه. وكانا مع ذلك كاتبين مبرزين، فكان السيد على يتبع في النثر طريقة طريفة (لا يتكلف السجع، وإذا سئل من