للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مسئلة كتب عليها الجواب أحسن من الروض جاده الغمام).

غير أن هذين الأخوين لم تقنع نفساهما بما بلغتا من مرتبة العلم، إذ رأيا أن دونهما واجبا عاما يجب عليهما أن يضطلعا به، وذلك أنهما رأيا الحياة العامة محتاجة إلى كثير من التقويم والتهذيب، فكان الأخ الأكبر يخرج في دروسه عن التلقين المجرد (إلى الرد العنيف على أرباب الأموال والأكابر وملوك الزمان) حتى انه اضطر للهجرة في سبيل الحق من مصر إلى بلاد السلطنة العثمانية، ثم اضطر مرة أخرى إلى أن يهاجر إلى مصر هارباً من حكومة السلطان لأنه لم يرضها ولم ترضه.

وكان الأمراء يعرفون له إخلاصه، ويقدرون له صراحته في الحق، فان الأمير محمد بك أبا الذهب الذي آل إليه الأمر بعد علي بك الكبير سأله مرة على سبيل المباسطة فقال له: (كيف رأيت أهل اسلامبول؟) فقال له: (لم يبق باسلامبول ولا بمصر خير) فلم يغضب الأمير من شدة رده، بل قضى ديونه وأعانه بما يتصدق به على الفقراء.

وكان السيد على فارساً شهما (لا يخلوا (اصطلبه) من الخيل، ويضمرها ويعتني بأحوالها، ويرغب في شرائها لمعرفته بالفروسية في رمي السهام واستعمال السلاح واللعب بالرماح وغير ذلك) فكان مقصد اللاجئين من الناس، وموئل المظلومين من العامة، ومكان الإجلال من أهل الحكم، يقضون ما يأتي فيه شافعا، ويخشون نقده ويكرمون نصحه. ثم مات السيد علي وتبعه أخوه الأصغر السيد بدر الدين. فسار على منهج أخيه من (التردد إلى الأعيان والأمراء، والسعي في حوائج الناس، والتصدي لأهل جهته وخطته في دعاويهم، وفصل خصوماتهم وضلحهم، والذب عنهم، ومدافعة المعتدي عليهم، ولو من الأمراء والحكام)، وصارت له مكانة كبرى في البلاد وعند الأمراء) يخشون جانبه وصولته) ثم ذهبت أيام هؤلاء الأمراء المصريين وهبطت على مصر كارثة الأجنبي، إذ دخل الفرنسيون مصر، فدمروا وهدموا وغيروا، وأبوا إلا أن تكون مصر على مثل خطتهم ومدنيتهم. فغضب كرام المصريين لذلك، ورأوا في تلك المحاولة قضاء على شخصيتهم وازدراء لمدنيتهم الموروثة التليدة. فانتهزوا الفرصة وثاروا على الفرنسيين، وكان السيد بدر الدين من زعما الثوار. (فجمع جموعه من أهل الحسينية والجهات البرانية، وانتبذ لمحاربة الفرنج ومقاتلهم وبذل جهده في ذلك) غير أن الثورة لم تنجح كما هو معروف، فخرج السيد بدر الدين من مصر

<<  <  ج:
ص:  >  >>