للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

منذ رآها غير صالحة لمقامه فيها. وأي مقام للحر الكريم المجاهد في بلاد الضيم وبلاد الله واسعة يستطيع أن يهاجر فيها؟ واتبعه غضب الفرنسيين في داخل البلاد وفي خارجها، وانتقموا منه بهدم ما ترك في مصر من أبنية، وسلب ما خلف فيها من أموال، غير أنه لم يبال شيء من ذلك، ولم يكن مثل بدر الدين ليعبأ بما يصيبه في المال من خسارة، ومازال في خارج مصر يجاهد مع المجاهدين حتى عاد النصر كما أنه لم يضعف في أيام المحنة من الخيبة والخذلان، ولما عاد إلى مصر استأنف السعي في خير المجموع وهو قرير العين بما نال من توفيق، وكان مما يزيد قلبه اطمئناناً وسلاماً أن يذكر ما أصابه من الألم في جهاده.

ولم يكن ابنا النقيب سوى درتين من عقد أبطال سمى التاريخ بعضهم ونسى البعض، ورحم الله من سمى ومن لم يسم. لقد طوى الماضي في بطون الثرى ألوف الألوف من الأجداد، وقد يكون منا من يتهم هؤلاء الجدود ببعض التهم، وجدير بنا أن نفكر مرتين قبل أن نجرؤ على ذلك الاتهام.

لقد كان من الماضين من هم أقوى منا مروءة في حياتهم وجهادهم وسعيهم إلى الخير، منذ كانوا يؤدون أمانتهم غير طامعين في أن يعرف الأحفاد عنهم ما صنعوا. وحري بنا أن نتسامى إلى مثل هذا الكرم فنسعى إلى أداء الأمانة، ونحن في ستر الخفاء لا يطلع علينا إلا الله، ولا ترقبنا بعد الله سوى عين الضمير.

محمد فريد أبو حديد

<<  <  ج:
ص:  >  >>