للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والدمن والآثار، فشكى وبكى وخاطب الربع واستوقف الرفيق ليجعل ذلك سببا لذكر أهلها الظاعنين عنها إذ كان نازل العمد في الحلول والظعن على خلاف ما عليه المدر لانتجاعهم الكلأ، ثم وصل ذلك بالنسيب فشكا شدة الشوق وألم الوجد والفراق وفرط الصبابة ليميل نحوه القلوب لأن النسيب قريب من النفوس لما جعله الله في تركيب العباد من محبة للغزل وألف للنساء، فليس يكاد يخلو أحد من أن يكون متعلقا منه بسبب، فإذا علم أنه استوثق من الإصغاء إليه عقب بإيجاب الحقوق فرحل في شعره وشكا النصب والسهر وسرى الليل وانضاء الراحلة، فإذا علم أنه قد أوجب على صاحبه حق الرجاء بدأ في المديح فبعثه على المكافأة وهزه على السماح وفضله على الأشباه)

وهناك مئات من القصائد لا تخرج عن هذا الوصف الذي لا يجب على كل حال أن يعتبر النموذج الثابت على الدوام إذ يتجاوز الشاعر في بعض الأحيان عن المقدمة الغزلية وخاصة في المراثي، وإذا لم تقده على الفور إلى الغرض المنشود تلاها وصف دقيق صادق لبعير الشاعر أو حصانه الذي يحمله خلال القفار في سرعة الظبي النافر أو الحمار الوحشي أو الظليم. وشعر البدو يفيض بالدراسة الجميلة لحياة الحيوان ووصفها؛ ولاشك أنهم كانوا يولون المديح همهم وعنايتهم، كما كان أحب شيء إلى نفوسهم. وقد استطاع الشاعر أيام الجاهلية أن يرضى نفسه فلم تكن القصيدة وحدة قائمة بذاتها، ولكنها أشبه ما تكون بمجموعه صور رسمتها يد واحدة أو كما يقول الشرقيون مكونة من لآلئ مختلفة الحجم والقيمة، ثم ألف منها عقد

قد يمكن وصف الشعر العربي القديم بأنه نقد تصويري للحياة الجاهلية وأفكارها، إذ نجد الشاعر في هذه البيئة بعيداً عن التكلف والميوعة والبهرجة. وليست تسمية مجموعة أبي تمام (بالحماسة) من قبيل الصدف. أو لأن ذلك عنوان من عناوين الكتاب أو فصل من فصوله يشغل قرابة نصفه. بل لأن الحماسة تشير إلى أجل فضيلة عظمها العربي، فقد امتدح البسالة في القتال والصبر عند اشتداد البلاء، والجد في طلب الثأر، وحماية الضعيف والازدراء بالأهوال، أو كما قال تنيسون (كافح واطلب تجد ولا تخضع)

ومن صور المثل الأعلى للبطل العربي الشنفري الأزدي، وقرينه في الغزو والسلب (تأبط شراً) فقد كانا قاطعي طريق طريدين، كما كانا شاعرين مبدعين، أما عن الأول فيروى أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>