للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أو يدعو إلى الجهاد، أو يستنفر إلى المعركة، حتى أنشد الرافعي. . .

ويقيني أن اسم الرافعي إذا كتب له الخلود بين أسماء الشعراء في العربية، فلن يكون خلوده وذكره لأنه ناظم ديوان الرافعي، أو ديوان النظرات، أو المدائح الملكية في المغفور له الملك فؤاد، أو قصائد الحب والغرام بفلانة وفلانة من حبائبه الكثيرات، ولكنه سيخلد ويذكر لأنه شاعر الأناشيد. . .

ونهضت الأمة نهضتها الرائعة في سنة ١٩١٩، ودوّي صوت الشعب هاتفاً: إلى المجد إلى المجد، إلى الموت أو الحرية؛ وصاح صائح الجهاد يدعو كل نفس من داخلها، فإذا الأمة صوت واحد؛ على رأي واحد إلى هدف واحد؛ وإذا مظهر رائع من مظاهر الإيمان بحق الموجود في وجوده يتمثل في كل مصري، ويستعلن على كل لسان في مصر

واجتمع رأي طائفة من رجالات مصر على أن يكون لهذه النهضة نشيد يعبر عن أمانيها وغايتها، ويكون أغنية كل مصري، تجتمع عنده خواطر نفسه، وخلجات فكره، وهمسات قلبه؛ فيكون صوتها من صوته، ولحنها من أحلامه، وبيانها من معاني نفسه.

وتلفّت الناس يفتشون عن ذلك الشاعر الموهوب الذي يؤملون أن تتحدث الأمة بلسانه وتهتف بشعره. وأعلنت لجنة النشيد عن جائزة وضربت أجلاً. . .

وتبارى الشعراء في الافتنان والإجادة، وتقدم كل شاعر ببضاعته، وتقدم الرافعي فيمن تقدم؛ ولكن اثنين لهما مكانهما وخطرهما بين شعراء العصر لم يتقدما بشيء إلى لجنة النشيد: هما شوقي أمير الشعراء، وحافظ شاعر النيل. أما حافظ فلأنه من المحكمين في اختيار النشيد، وأما شوقي. . . من يدري؟

وكان على رأس لجنة النشيد الوزير العالم والأديب، الأستاذ جعفر ولي باشا، فكأنما عز عليه أن ينتهي الأجل المضروب فيتقدم الرافعي، ويتقدم الهراوي، ويتقدم عبد الرحمن صدقي، ويتقدم غير هؤلاء ممن يقول الشعر، وممن لا يحسن إلا أن يزن فاعلاتن ومفعولاتن على كلام، ولا يتقدم شوقي وحافظ

ونسأت اللجنة الأجل المضروب، وسعى الساعون إلى الشاعرين الكبيرين ليحملوهما على الاشتراك في المباراة؛ فأما حافظ فأصر وأبى، وأما شوقي. . . يرحمه الله، لقد كان حريصاً على أن يقول الناس في كل مناسبة: لقد قال شوقي. . . ولكن ماذا يقول ذلك اليوم؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>