للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ينفردون بمكافحة الأخطار، وكيف يستقلون بآرائهم في مداورة الصعوبات

وجيل بعد جيل بعد ثالث بعد رابع على هذه الوتيرة كفيلة بتربية الاستقلال والخبرة بمداولة الشؤون وإقامة الحدود المعقولة بين الحاكم والمحكوم

لكن الألمان على نقيض ذلك، قد شاء لهم سوء الحظ أن يقيموا في الرقعة الوسطى من القارة الأوربية، وكانوا في حاجة دائمة إلى الطاعة العسكرية، لأنهم يغيرون على جيرانهم ويغير جيرانهم عليهم في كل حين، ولم يزالوا على ذلك عرضة لسطوات الأقوياء كلما ظهروا من حولهم في الشرق أو الغرب أو الجنوب أو الشمال فمن ظهر في الشرق أخذهم في طريقه غرباً إلى حيث يريد الفتح أو القتال، ومن ظهر في الغرب أخذهم في طريقه شرقاً كما يشاء وحين يشاء، وكذلك كان يصنع بهم من يمتد بسلطانه من الجنوب إلى الشمال، أو يمتد به من الشمال إلى الجنوب

وكانوا من قديم عصورهم قبائل متفرقات تعمل في الرعي والقنص والزراعة، فعاشوا عيشة القبائل الأولى وهي عيشة طاعة وتسليم، وجاءتهم النظم العسكرية التي لا فكاك منها، فزادتهم طاعة على طاعة وتسليماً على تسليم خاص

وقد تعددت ولاياتهم حتى زادت على ثلاثمائة في نهاية القرون الوسطى، ولم تنقص هذه الولايات عن مائة وسبعين في أيام الثورة الفرنسية، ثم تجمعت بعض التجمع في زعامة ولاية من أكبرها في العدة العسكرية، ولكنها من أقلها نصيباً في الثقافة والأخلاق الاجتماعية، وهي بروسيا التي عرفت في تاريخها بأنها آخر القبائل الجرمانية حضارة وأقلها دماثة وأدباً، فطبعتهم من جديد بطابع الإذعان الذي لا يعرف المراجعة ولا يؤمن بتعدد الآراء

وقد ثار الإلمان على الكنيسة أو على البابوية، ولكنهم لم يثورا قط على طغيان الحكومات وعسف القادة، وإنما ثاروا على البابوية لأنهم كانوا في طاعة القادة والحكومات

قلنا في كتاب تذكار جيتي الذي ظهر منذ بضع عشرة سنة:

(. . . يجب أن نذكر كذلك في هذا الصدد أن مبادئ الديمقراطية حين وصلت إلى ألمانيا كانت مبادئ عدوها المغير عليها المذل لكبريائها: كانت مبادئ الجيش الفرنسي والدولة الفرنسية.

<<  <  ج:
ص:  >  >>