للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فليس بعجيب أن يتلقاها فلاسفة الألمان بشيء من الفتور والإعراض، وأن تجنح بهم الوطنية إلى إنكار الديمقراطية في إبان المنافسة والملاحاة بين الشعبين. . . على أن السبب الذي يتصل بجميع هذه الأسباب ويكاد يدرجها كلها في أطوائه هو حرب الثلاثين المشهورة، فإن هذه الحرب الطحون قد دمرت ألمانيا في الشمال والجنوب تدميراً، وعطلت البحث والأدب فيها جيلين متواليين، ورزحت استقلال الفكر فيها خلال القرن السابع عشر الذي نشطت فيه دعوة الفكر الحرفي الأمم الأوربية الكبرى)

من هذه العوامل التي فصلنا بعضها في (تذكار جيتي) وبعضها في كتاب (هتلر في الميزان) أصيبت الأمة الألمانية بتلك الآفة الجائحة وهي نقص (التربية السياسية) وكان بعضها من صنع يديها وبعضها من صنع الحوادث والملابسات.

لا جرم يطيع الألمان حكامهم تلك الطاعة العمياء ويعتقدون فيهم كما يعتقد الأطفال في آبائهم (إن أبانا لعلى كل شيء قدير)

وقد خدعهم في هتلر - فوق خداع التربية السياسية الناقصة - أنه نجح في ضم السار والرين والنمسا وبلاد السوديت بغير قتال، فخيل إليهم أنه يلعب بأوربا وبالعالم وأنه يملك من قوة الدهاء وقوة السيف ما يخضع له أوربا إذا خالفته ويخضع له العالم كله إذا وقف في طريقه.

وذلك هو الظلال الأكبر في القياس والتفكير.

لأن مصطفى كمالاً - كما قلنا في كتاب هتلر في الميزان - (لم ينفق جزءاً من ألف ربوات الملايين التي أنفقها هتلر على التسليح، واستطاع مع ذلك أن يفتح الآستانة فتحاً ثانياً وفيها جيوش الحلفاء، وأن يعيد إليها الحصون التي منعت إقامتها بعد هزيمة الحرب العظمى، وأن يلغي الامتيازات الأجنبية والمعاهدات التي سبقت ألمانيا الحديثة ونشأت من أيام سليمان الكبير). . .

ولم ينجح مصطفى كمال ولا هتلر فيما صنعاه لأنهما أقوى من الدول التي كانت تأبى ما صنعاه، وإنما سر المسألة كله صعوبة الإقدام على حرب عالمية سواء كان المقدم عليها من الحكام الدستوريين أو من الحكام المستبدين، فالذي صنعه هتلر إذن هو أنه غير هذه الحالة بسياسة الخرقاء وجعل الصعب سهلاً على الدول في مدى ثلاث سنوات، وما ثلاث سنوات

<<  <  ج:
ص:  >  >>