للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عروق الجسم العربي يضغطون على أيها شاءوا متى شاءوا. في أيديهم قضية مصر يساومون بها وبما كسون، وفي أيديهم قضية السودان يلوحون بها ويعاكسون، وفي أيديهم قضية ليبيا يشاغبون بها ويشاكسون، وفي أيديهم قضية شرق الأردن بما فيه، وما شرق الأردن إلا خيط الخنق وشريط الشنق فله الإنكليز بأيديهم وأمروا على الأيام فتله، لأمرهم بالغوه إن لم تهبوا وتذبوا، وفي أيديهم العراق ومنابعه، واليمن وتوابعه، ولهم على سوريا ولبنان يد منونة، في طيها مدية مسنونة. وفي أيديهم مفاتيح من أقفالها مفتاحاً، ولكل أمير من أمرائها مقودا من رغبة أو رهبة. ولهم مع ذلك من بينكم العيون الراصدة، والألسنة الحاصدة. وفيكم مع ذلك الآذان السامعة، والهمم الطامعة، وفي سجلاتهم ذممكم وهممكم وقيمكم، قدروها تقديرا، وأوسعوها تحليلا وتدبيرا.

إنهم ما حركوا مشروع سوريا الكبرى في ميقات معلوم إلا ليفتنوا بعضكم ببعض، ويغروا بيتا ببيت، وقريشا بتميم. فينخرق الإجماع وتفترق الجامعة. وإن هذه النقطة هي أعلى ما يصل إليه الدهاء الإنكليزي، كما أنها أعسر امتحان للضمير العربي الذي يتمنى أن يتكتل العرب ولكن بدافع من أنفسهم لا على يد عدوهم. وإن الإنكليز لقادرون على تحريك غيرها من الفتن المفرقة. وإنكم - أيها العرب - لا تردون كيدهم إلا بإجماعكم على تحديهم، واجتماعكم على إيقاف تعديهم، وإقامة جامعتكم على اعتبار مصلحة العرب ووطن العرب فوق الأغراض والأشخاص.

إنكم لا تردون كيدهم بقوة جامعة الدول العربية، حتى تسندوها بجامعة الشعوب العربية، فحركوا في وجوههم تلك الكتلة متراصة يرهبوا ثم يذهبوا.

لمسنا في هذه الكلمة حقائق مريرة، وأومأنا إلى قضايا يسوءنا أن نزيد حمأتها مدا. ولكن ما عذرنا إذا أمسكنا عن الشرح، ولو كان فيه جرح! وقد تأدى إلينا من تراث أجدادناالعرب هذه الحكمة الغالية (من كتم داءه قتله).

(الجزائر)

محمد البشير الإبراهيمي

<<  <  ج:
ص:  >  >>