للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأراك صورة من تهوي في بلاد (النمسة):

من في العراق يراك في طرسوسا

فالناس هم الناس:

فلا تلزمن الناس غير طباعهم ... فتتعب من طول العتاب ويتعبوا

أعود إلى أول كلامي فأقول: لا، لا، لم أقل: إن ذلك الإنجليزي قد تخلق بنحيزة ضارٍ فألف كلُّ صاحبه؛ فالإنسان - كما أثبت علم العلماء وأثبت عمله هو - سبعي بالطبع، بل ازددت بعد تلاوة ذلك الحديث إيقاناً بأثر العادة والتعويد، وإيماناً بأن التدريب يقدر أن يذلل الضاري ويقتاده - كان الله في عونه - إلى ملابسة إنجليزي (أو غير إنجليزي) ولا شئ في الدنيا أصعب من مخالطة الناس.

وفي العربية أقوال كثيرة في العادة والمرون والتضرية والتدريب والتألف. وهذا خبر حسن بارع مجزئ عن كثير في هذا المعنى، وهو في الشرح الكبير (للنهج) لأبن أبي الحديد:

(إن لم تكن حليماً فتحلم، فأنه قل من تشبه بقوم إلا أوشك أن يكون منهم) صحيحٌ في مناهج الحكمة؛ لأن من تشبه بقوم وتكلف التخلق بأخلاقهم، والتأدب بآدابهم، واستمر على ذلك ومرن عليه الزمان الطويل، اكتسب رياضة قوية وملكة تامة وصار ذلك التكلف كالطبع له، وانتقل عن الخلق الأول. ألا ترى أن الأعرابي الجلف الجافي إذا دخل المدن والقرى وخالط أهلها، وطال مكثه فيهم انتقل عن خلق الأعراب الذي نشأ عليه وتلطف طبعه، وصار شبيهاً بساكني المدن، وكالأجنبي عن الوبر. وهذا قد وجدناه في حيوانات أخرى غير البشر كالبازي والصقر والفهد التي تراض حتى تذل وتأنس، وتترك طبعها القديم، بل قد شاهدناه في الأسد وهو أبعد الحيوان من الأنس. وذكر أبن الصابي (أبو اسحق) أن عضد الدولة بن بويه كانت له أسود يصطاد بها الصيد فتمسكه عليه حتى يدركه فيذكيه، وهذا من العجائب الطريفة).

(ق)

<<  <  ج:
ص:  >  >>