للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ألوانها حتى وصلت إلى درجة حيرت كبار الفنيين في العصر الحديث.

لم تكن معارف المصريين إبان الدولة القديمة ناشئة ولا في أول عهدها بالحياة كما يزعم الجاهلون، ويدل على ذلك أنه في أواخر القرن الماضي اكتشف عالم من كبار المستمصرين الفرنسيين خلف الهرم الغربي جثة موظف كبير من موظفي الإمبراطورية الأولى كتب على تابوته العبارة التالية: (هذه جثة الحارس الأكبر لدار الكتب الملكية).

وقد علق الأستاذ (ماسبيرو) على هذه العبارة في كتابه (تاريخ الشرق القديم) طبعة أولى بأن هذه المكتبة التي كان هذا الموظف الكبير مديرها أو حارسها كانت تحوي بين جدرانها كثيراً من الكتب في الأدب والفلسفة والأخلاق والتاريخ والاجتماع والقانون والسياسة والطب والحساب والهندسة والفلك والسحر والتنجيم

ويؤكد الأستاذ (ماسبيرو) أن هذه المواد التي كانت موجودة في أدمغة العلماء ومسطرة في أوراق البردي لم تكن أثناء الدولة القديمة في عهد الحداثة والتكوين، بل كانت قد نضجت نضوجاً تاماً وأصبحت في دور الإنتاج العملي المفيد، إذ أن من المستحيل أن تبنى الأهرام في عصر بادئ في الهندسة لم يتعمق أهله - أو العلماء منهم على الأقل - في غامض النظريات ومعقد الرسوم؛ وكذلك من المستبعد عقلاً أن نتصور أن المحاكم التي لا تحكم على المجرم إلا بعد سماع المرافعات الشفوية الطويلة، وقراءة المذكرات التحريرية المقدمة من المتهم يكون قضاتها ومستشاروها حديثي عهد بالقوانين المدنية والجنائية

وإنني أنتهز فرصة هذه المناسبة فأذكر لك مثلاً من أمثلة استقلال هذا القضاء وعدالة الملوك في تلك العصور الغابرة التي نتصور أنها كانت مفعمة بالظلم والاستبداد:

حاولت زوجة (باتوو) الخائنة قتل زوجها عدة مرات قبل أن يجلس على عرش مصر، فلما تولى المملكة لم يشأ أن يقتلها دون تبرير هذا القتل بحكم المحكمة، ولم يكن شئ أسهل عليه من أن ينتقم بالقتل من زوجة مجرمة أثيمة، ولكنه أعلنها بالحضور أمام المحكمة التي تألفت من أكابر رجال القضاء في الدولة، ووقف جلالته خصماً نزيهاً لهذه الخائنة، وتلا مذكرة الاتهام على مسامع القضاة ثم ترك لهم الكلمة، فطلبوا إليها أن تدافع عن نفسها، ولكنها حنت رأسها مشيرة إلى الإفلاس من البراهين وإلى التسليم بالإجرام، فأصدر القضاة حكمهم عليها بالإعدام

<<  <  ج:
ص:  >  >>