فأنت ترى هذه الصورة العادلة التي صور بها مؤلف القصة فرعونه العظيم. وقد تكون هذه القصة خيالية، ولكن الذي لاشك في هو أن الكتاب في كل عصر يستمدون مؤلفاتهم مما يقع حولهم من الحوادث ولو في شئ من المبالغة والمغالاة فنحن نستطيع أن نؤكد أنه كان في تلك العصور الغابرة قضاة يستندون في أحكامهم إلى قوانين مدنية وجنائية، وأنهم كانوا يسمعون ويقرأون دفاع المتهمين وشهادة الشهود، بل يبالغ الأستاذ (نوباري) المستمصر الألماني فيؤكد لنا أن القضاء في تلك العصور كان لا يقل عنه في عصرنا الحاضر بحال
وإذا غادرنا القضاء وعنايته بالقوانين وتوجيه العدالة والإنصاف واهتمامه بأنواع الدفاع وضروب المرافعات ثم اتجهنا إلى الطب ألفيناه قد بلغ حد النضوج ووصل إلى درجة توشك أن تلحق بالكمال. ويبرهن على ذلك ثقة الأطباء بأنفسهم وتحققهم من معارفهم إلى درجة المجازفة بحياتهم في سبيل توطيد تلك المعارف، فقد كان الطبيب إذا اخترع نوعاً جديداً من الدواء لم يكن قد سبقه إليه طبيب آخر يرفع اختراعه إلى هيئة الاختصاص حتى إذا نظرت فيه استدعته أمامها وتلت عليه نص الشرط الذي نلخصه فيما يلي: - (للطبيب أن يعالج مريضه بهذا الدواء الذي اخترعه، فإذا شفي وثبت بالكشف الطبي بأن شفي بسبب هذا الدواء، منح مكافأة مادية قدرها كذا وكذا. وأخرى معنوية، وهي تدوين اسمه واسم دوائه في الدواوين الرسمية والكتب العلمية المقررة، وإذا مات المريض مسموماً بدوائه حكم على الطبيب بالإعدام).
فإذا قبل الطبيب هذا الشرط وأخذ منه توقيع بالقبول أمام شهود عدول صرح له بالابتداء في تجربة الدواء.
وفي رأينا أن هذا النظام المصري القديم أدق وأحرص على سلامة الجمهور من نظام القرن العشرين الذي لا يتحرز فيه الأطباء من العبث بأرواح المرضى الذين أصبحوا لهم عبيداً يأتمرون بأوامرهم التي لا يلاحظ فيها قانون ولا تترتب عليها أية مسؤولية رادعة، بل لا يترتب عليها سؤال بسيط من قبل القضاء وضحايا الأطباء والصيادلة الذين لا يعنون العناية الكافية بتركيب الدواء لا تندرج تحت حصر، ومهما يكن من الأمر فهل تتصور أن أطباء ناشئين في الطب أو مبتدئين في الحكمة لم يقتنعوا بعد بتجاربهم العلمية يقدمون على تعريض حياتهم للخطر؟