للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مقصدهم، كما كان موقفه من أوائل الداعين إلى ضبط النسل مثلاً، إلا أنه لا يلبث أن يخفف من غلوائه حين يتبين له شرف المقصد وفائدة الدعوة.

ولئن حمدت الحرية الفكرية الواسعة التي تمتع بها الفلاسفة والعلماء في الدول الإسلامية فما كذلك الحرية التي استباحها المجان من الأدباء، فالأولى حرية تساعد تقدم الفكر وترقي العلم، والثانية تؤدي إلى انحطاط الخلق وتضرب في دعائم المجتمع؛ الأولى حرية فكرية نافعة، والثانية إباحية خلقية ضارة. والأدب يرسم للأمة مثلاً عليا تتوخاها، فإذا تمادى في تصوير دنيء النوازع فإنه يهبط بالنفوس إلى مستوى منحط لا تريد عنه ارتفاعاً.

وللأدب المكشوف في العصر الحديث دعاته الذين يحضون على اطراح النفاق الذي تفرضه التقاليد وتصوير الطباع على حقائقها، على أن هناك فرقاً بين المذهب الحديث وبين ما كان فاشيا في الأدب العربي القديم: فأنصار هذا المذهب ذوو مبدأ هم مقتنعون برجاحته يرون أن الأدب يؤدي مهمته ويرقي الأخلاق الإنسانية بوصف دخائلها ومظاهرها دون تمويه، أما الآخرون فلم يكن لهم مبدأ ولا غاية سوى إرضاء الشهوات والنزوات وعلى الخلق الكريم العفاء.

وهيهات أن يخلو المجتمع الإنجليزي أو غيره من آثار المفاسد التي أفصح الأدباء المتقدمون في التعبير عنها، ولكن ما لا يقبله ذلك المجتمع هو المجاهرة بذلك والمفاخرة والتجاسر على تقاليد المجتمع التي ارتضاها لنفسه وقامت عليها أسسه، وإيغال ذلك في عالم الأدب الذي تحويه بطون الكتب وترويه الأجيال ويُقصد منه إلى السمو بالإنسانية.

فخري أبو السعود

<<  <  ج:
ص:  >  >>