البيزنطي في بقايا الأسوار التي ما زالت إلى اليوم. ولكن هذه الأسوار لم تكن تامة الإحاطة بالمدينة من جهة البحر مما سهل على العرب فتحها على أيدي جنود عمرو بن العاص؛ ولهم في ذلك قصة ترويها كتب التاريخ تتلخص في أن عمرو بن العاص قد ضرب حصاراً على المدينة من جهة البر وأقام يتحين الفرص للاستيلاء عليها حتى وافاه ذلك عندما خرجت جماعة من جنوده للصيد، فلما شعرت بوطأة الحر توجهت إلى البحر لتخفيف ما تشعر به، وكانت المدينة تشرف على البحر مباشرة لا يفصلها عنه أي حاجز؛ فوجد الجنود طريقاً إلى المدينة على أثر جزر البحر فتسللوا إلى داخلها. وكم كانت دهشة الرومان عظيمة عندما سمعوا تهليل هؤلاء الجنود وتكبيرهم مما دفعهم إلى الاحتماء بسفنهم. وأبصر عمرو أصحابه في جوف المدينة فأقبل بجيشه واستولى عليها بعد أن سهل عليه أصحابه تلك المهمة. وقد فطن العرب إلى هذا النقص في تحصين المدينة فيما بعد مما دعا هرثمة بن أعين - وإلى المدينة من قبل الخلافة العباسية أن يعمل على إتمام هذه الأسوار من جهة البحر. وبدخول العرب لمدينة طرابلس دخلها الإسلام وانتشرت فيها اللغة العربية ولا تزال لغتها ولا يزال الإسلام دينها على رغم بعض المحاولات الفاشلة
ومما تجب ملاحظته هنا أن المؤرخين قد اختلفوا في تحديد زمن تبعية هذه المدينة للعرب؛ فبعضهم يقول إن ذلك تم في سنة ٢٢هـ والبعض الآخر يقول إن ذلك كان في سنة ٢٣هـ ويمكنا التوفيق بين الطرفين مع عدم أهمية هذا الخلاف لبساطة الفارق الزمني إذا اعتبرنا جزءاً من الحملة العربية على مصر قد توغل غرباً بعد فتح مصر حتى وصل مدينة طرابلس ثم تبعته بقية الحملة في سنة ٢٣هـ. والحقيقة التي لا مراء فيها أن مدينة طرابلس نفسها لم تخضع للعرب خضوعاً تاماً حتى سنة ٢٦هـ عندما حاول عقبة بن نافع التوغل في أفريقية وفتحها، فاتخذ منها قاعدة حربية لأعماله الجديدة وبقيت بها حامية عربية. وكان والي مصر هو في نفس الوقت حاكماً لمدينة طرابلس، ولكنها سرعان ما انفصلت عن مصر عندما عين عمرو بن العاص والي مصر ابن خالته عقبة ابن نافع بن عبد القيس الفهري والياً عليها من قبله، فكان بذلك أول ولاتها الذين لم تصلنا أسماؤهم بعد
وكانت مدينة طرابلس خلال القرن الثاني والثالث الهجريين ميداناً للقلاقل والفتن الدينية نتيجة لأعمال فرقة الأباضية إحدى فرق الخوارج التي وجدت لها أتباعاً بين قبائل البربر