للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

من هوارة وزناتة؛ فأقلقوا بذلك بال الخلافة العباسية بهجومهم المتوالي على المدينة ومحاصرتهم لها. وكذلك كانت حالة طرابلس أثناء حكم بني الأغلب مما سهل على العباس بن أحمد بن طولون والي مصر أن يغزو تلك المدينة بعد أن استولى على إقليم برقة واستطاع أن يتغلب على حاكمها محمد بن قرهب عند لبدة سنة ٢٥٥هـ وحصره في مدينة طرابلس ثلاثة وأربعين يوماً تمكن من بعدها أن يفك الحصار عن نفسه

وتبعاً لقيام الخلافة الفاطمية في المغرب خضعت طرابلس لسلطانها، وتولى حكمها أفراد من بني خزرون الذين أسلموها إلى بني حفص أصحاب اليد الطولى في رخائها وتعميرها كما يحدثنا بذلك التيجاني في رحلته عندما زار المدينة سنة ١٣٠٨م فيخبرنا بإقامة الحاكم في قصر بديع ربما كان القصر الحالي قد بنى على أنقاضه. ويحدثنا عن طريقة حكم المدينة بواسطة مساعدة مجلس من شيوخ المدينة يتكون من عشرة أعضاء. ولا يخفى التيجاني إعجابه بحمامات المدينة ونظافتها وشوارعها الواسعة المنسقة التي يتلاقى معظمها بزوايا منظمة، كما أعجبته آثارها ومسجده الملقب بالجامع الأعظم، ومدرستها المسماة بالمستنصرية، وأسوارها المحصنة بالأبراج والخنادق. والخلاصة أن الحياة كانت فيها كما وصفها لنا ناعمة مزدهرة. ولكن تنازع أفراد بني حفص على الحكم وانشغالهم عن الإصلاحات الضرورية جعل المدينة تأخذ في التدهور والضعف مما عرضها لهجمات أهل جنوا، إذ كان كثير من تجارها يترددون عليها، فعرفوا نقط الضعف فيها، ولم ينقذها من أيديهم إلا تلك الفدية التي قدمها لهم أبو العباس أحمد بن مكي صاحب قابس وقدرها خمسون ألف مثقال من الذهب الخالص

وما كادت المدينة تسترجع أنفاسها بعد هذا الغزو الأجنبي حتى وقعت مرة أخرى في قبضة الإسبانيين سنة ١٥١٠م الذين مكثوا فيها عشرين عاماً عاثوا فيها فساداً ولكنهم مع ذلك جددوا قصر حاكمها الذي ما زال محتفظاً ببعض شكله حتى يومنا هذا كما أصلحوا ما تهدم من أسوارها وبنوا الرصيف المعروف باسمهم في ميناء المدينة لرسو سفنهم واتخذوا منها قاعدة بحرية لمعاكسة أعمال العثمانيين في البحر الأبيض المتوسط في ذلك الوقت. ثم انتقلت بعد ذلك إلى أيدي فرسان القديس يوحنا في جزيرة مالطة الذين بقوا فيها حتى سنة ١٥٥١م بمساعدة شارل الخامس إمبراطور الدولة الرومانية المقدسة رغم ما عانوه من

<<  <  ج:
ص:  >  >>