هجمات ثوار العرب بمساعدة سكان البلاد الداخلية. وتروى لنا كتب التاريخ قصة طريفة عن مقدمات احتلال الأسبان لمدينة طرابلس، وهي ولاشك أقرب إلى الخيال منها إلى الحقيقة وتتلخص في أن الأسطول الإسباني التجاري قدم إلى الميناء فأتى أحد أهالي المدينة واشترى جميع سلع المراكب ودفع لأصحابها الثمن فوراً، ثم استضافهم رجل آخر في بيته بعد أن جهز لهم طعاماً فاخراً، ولما أخرجه لهم أخذ ياقوتة ثمينة وسحقها ورشها على طعامهم فبهتوا لذلك الأمر، ولما انتهوا من الطعام قدم لهم بطيخاً فطلبوا سكيناً لقطعها فلم توجد في داره تلك الآلة البسيطة الضرورية ولا عند جاره إلى أن خرجوا إلى السوق وأتوا بسكين. فلما رجع هؤلاء التجار إلى بلدهم سألهم ملكهم عن حال البلد التي قدموا منها، فقالوا: ما رأينا بلداً أكثر منها مالاً وأقل سلاحاً وأعجز أهلاً عن مدافعة عدو. وحكوا له الحاكيتين فتشجع بذلك وتأهب للاستيلاء عليها
على أن تفاقم استبداد الإسبانيين بأهالي مدينة طرابلس أجبرهم على الهجرة منها والالتجاء إلى مدينة (تاجوراء)؛ ثم انتخبوا وفداً للذهاب إلى دار الخلافة العثمانية طالبين تخليصهم من أيدي الإسبانيين فأجاب السلطان سليم الأول طلبهم وأرسل معهم مراد بك أغا أحد أغوات الحرم الذي تمكن من تخليصها من أيدي الإسبانيين في ١٣ أغسطس سنة ١٥٥١م بعد أن فر حاكمها إلى جزيرة مالطة. وبذلك أصبح مراد أغا حاكماً للمدينة وما زال مسجده الذي بناه في سنة ١٥٥٤م في تاجوراء يحمل ذكراه إلى يومنا هذا. وعبثاً حاول الأسبان وشركاؤهم فرسان مالطة استرجاع المدينة. ولم تبق لهم طريقة ينتقمون بها من العثمانيين سوى انسلال مراكبهم إلى داخل الميناء ليلاً وإحراق السفن العثمانية
هكذا أصبحت طرابلس تحت الحكم العثماني يتولى شأنها ولاة يعينهم السلطان، ولكن نظراً لبعد المدينة عن الحكومة المركزية في الأستانة وضعف خلفاء بني عثمان بمرور الزمن عمل الولاة على الانفصال عن الحكومة المركزية خصوصاً بعد أن اختلطوا بأهل البلاد. فنرى أحمد باشا القره مانلي يعلن استقلاله في سنة ١٧١١م مؤسساً أسرة القره مانلية التي حكمت حتى سنة ١٨٣٥م. وقد خلفت لنا هذه الأسرة الكريمة عدة آثار قيمة تشهد بعظم شأنها وحكمها ولاسيما أحمد باشا القره مانلي الذي حكم حوالي أربعة وثلاثين عاماً كانت بمثابة العصر الذهبي لتاريخ هذه المدينة، إذ استطاعت بسط نفوذها على داخل البلاد حتى