للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والمرض والانحلال، تدهوراً يبعث على الحسرة البالغة والأسف العميق!

وليس من شك في أن العامل الأول الذي أدى إلى هذه النتائج المؤلمة، والذي ترتبت عليه العوامل الهدامة الأخرى، إنما هو الجهل الذي مني به السواد الأعظم من الشعب، فعرضه لغيره من الآفات الاجتماعية التي تنخر في كيانه وتحول بينه وبين كل تطور محمود

فالتعليم الإلزامي - إذاً - هو العلاج الحاسم الذي يجتث هذه الآفات من أصولها، ويمد جسم الأمة بالقوة التي تقاوم بها آثار هذه الآفات، والمناعة التي تقيها شرور العدوى والانتكاس

بل هو الشعاع الأول المنبثق من فجر النهضة إلى أعماق الريف السحيق، يخترق في سبيله الظلمات الداجية والضباب المركوم، حتى يصل إلى تلك المجاهل النائية، فتتفتح له الأجفان المطبقة، وتستجيب له القلوب الصماء، وما يزال هذا الشعاع يقوى وينتشر وما تزال العيون تتفتح والقلوب تستجيب، حتى تتبدد تلك الظلمات وتستبين القافلة معالم الطريق. . .

ومن هنا نستطيع أن نفهم رسالة التعليم الإلزامي في مصر، على صورتها الصحيحة ومعناها البعيد. فليست هذه الرسالة قاصرة على محو الأمية فحسب - كما يريد البعض أن تكون - لأن مكافحة الأمية ميدان محدود بالنسبة إلى الميادين الرئيسية الأخرى، ولأن قصر هذه الرسالة على هذا الميدان عمل آلي تافه الأثر ضعيف النتائج، لا يبث في نفوس الناشئة فكرة سامية، ولا يمدها بتوجيه سديد

بل إن في هذا الحد من رسالة التعليم الإلزامي على هذا الوجه أضراراً عقلية واجتماعية هي شر من الأمية والجهل؛ لأنك إذا وضعت في يد الناشئ مفتاح القراءة والكتابة، ولم تصب في عقله المقاييس الصحيحة للحياة، ولم تملأ أحاسيسه بالعواطف اللازمة لسعادة المجتمع - كان هذا المفتاح الذي في يده يدور بوحي عقله القاصر المضطرب، وإلهام غرائزه المستعرة العارمة، فلا يفتح على نفسه وعلى المجتمع الذي يعيش فيه إلا أبواب الشرور. . .

وإنما تمتد رسالة التعليم الإلزامي إلى آفاق أبعد من ذلك غاية وأسمى غرضاً، فهي ترمي إلى تكوين الجيل على أساس قوي من الوطنية المستنيرة، والإدراك لحقائق المجتمع، والحرص على حقوقه الاجتماعية، والنهوض بأعبائه الثقال في مكافحة ما يندس في كيانه

<<  <  ج:
ص:  >  >>