فراخ الضفدع فماتت في ساعة، ووضعوا فيه سمكا فمت في ساعتين، ووضعوا فيه دودا فمات في ثلاث. ولكن بالطبع كان هذا (الماء الثقيل) مركزا تركيزا كبيرا، فقد كان تركيزه ٩٢ في المائة. ولما أضافوا إليه (الماء الخفيف) حتى بلغ تركيزه دون الثلاثين في المائة عاشت فيه كل هذه الأحياء (والماء الكثيف) يوجد في الماء الشرب العادي بقدر جزء واحد في كل ٢٥ ألف جزء أو نحو ذلك. فهو لا اثر له في الإنسان. بل على النقيض قد يكون فيه نفع له. أليس كثير من العقاقير كالزرنيخ والأستركنين سما زعافا. ومع هذا يعطى للمرضى بمقادير صغيرة فيكون فيه الشفاء من أدواء؟ على أن اثر هذا الماء الجديد في الأحياء الراقية ومنها الإنسان لم يمتحن بعد، فالحصول على المقدار الكافي منه لا يزال عملا عسيرا.
ويختلف (الماء الثقيل) في خواصه الطبيعية عن الماء العادي، فهو لا يتجمد على درجة الصفر المئوي بل في نحو درجة ٤، وهو لا يغلي على المائة بل على نحو درجة ١٠١. فإذا ذكرنا أن درجة الصفر ودرجة المائة إن هي إلا درجات اصطلاحية، تعريفها أنها درجة تجمد الماء ودرجة غليانه على التوالي، حق لنا أن تبتسم ابتسامة خفيفة لما حاق بعلم الحرارة من إخلال بأساسات مقاساته، وقد كان عدها الفيزيائيون ثابتة تزعزع الجبال وهي لا تتزعزع.
ونال الفيزيائي غير هذا إخلال جديد في أساس أوزانه. فالجرام ما هو؟ أليس هو وزن سنتيمتر مكعب من الماء ولكن أي ماء، ثقيلة أم خفيفة؟ على أن هذه إختلالات لا تؤثر في حوائج العلم العادية، ومطالب الحياة الجارية، فعين الإنسان قاصرة، ترى الكون كتلا كبيرة ولو ظنتها جسيمات صغيرة، ويده تحس الكون كذلك كتلاً، وانفه يشم الكون أجمالا لا تفصيلا، وأذنه تسمع أنغامه وتظن أنها تستطيع إدراكها نغمة نغمة، ولو إن كل نغمة منها أنغام تحتوي انغاماً، وهو مستمتع في كل هذا بقصور حواسه، قانع برؤية الوجود غبشا وضبابا، مادام لا يحس انه غبش وضباب، فلننس ما كان من تحقيق العلماء وتدقيقهم، ولنشربه زلالا سائغا خفيفه وثقيله، وعلى الدنيا وعلى العلماء العفاء.