للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وتنجزا إلى كتابا ليعلماني، ولو أمكنني النهوض لاحتسبته لهما وإذا لم ينهض قدمي، فقد أستثاب قلمي، والشيخ الجليل يرى عالي رأيه في تفريبهما لنصرة الله والاصغاء المثوبة إن شاء الله تعالى.

وفي هذا ما يبين عن مكانته بين الناس واهتمامه هو بأمورهم.

ونجده أحيانا يكتب للإصلاح بين فريقين متحاربين. وقد مكنته هذه الهمة العظيمة من دفع المفسدين عن نيسابور، وكان إذ ذاك في مستهل صيته ومبدأ نباهته، يقول في رسالته إلى أبيه بعد إن وصف ما كان بخراسان من هرج ومرج: لا ولا شيء إلا السلاح والصياح وكل شيء إلا السكون والصلاح، وأنا إذ ذاك حاضر نيسابور وداري بين القبة الرافضة وكل يوم تهديد، ورعب جديد، فقلت:

ولكن أخو الحزم الذي ليس نازلا ... به الخطب إلا وهو للقصد مبصر

فلقيت صدور نيسابور وقلت حتام هذا البلاء والعلاج قريب ليأخذ، وهلا نفر من طائفة الغزاة؛ إلى هؤلاء الغواة، وآزارهم أهل الصلاح وأنا من دعا إلى هذا الأمر وأجاب إليه وبذل فيه وأنفق عليه، ففعلوا وما كان سواد ليلة حتى علت كلمة الحق وباد أهل الفساد، إن جرح الجور، قريب الغور، وإن نار الحلفاء سريعة الانطفاء، وأن كيد الشيطان ضعيف، ثم أسمع الآن بهمذان من خراب واضطراب، وبأموالها من ذهاب وانتهاب، وبأسواقها من فساد وكساد، وبأسعارها من غلاء، وبأهلها من جلاء، أفليس فيهم رجل رشيد يجمع كلمة أهل الصلاح؟ عجبا من تعاون المفسدين على أخذ ما ليس لهم، وتخاذل المسلمين عن منع مالهم.

أخلاق الهمذاني

أظهر أخلاق أبي الفضل بديع الزمان، الأنفة والعظمة، ومن أجل ذلك يكثر في رسائله عتاب الأمراء والرؤساء على التفريط في جنبه أو إنزاله دون منزلته. كتب إلى أبي جعفر بن ميكال حين آنس منه التقصير في الحفاوة به: (وأعرفه إني ما أطوي مسافة مزار إلا متجشما، ولا أطأ عتبة دار إلا متبرما، ولست كمن يبسط يده مستجديا، أو ينقل قدمه مستغذيا فإن كان الأمير الرئيس أطال الله بقاءه يسرح طرفه في طامح أو طامع، فليعد للفراسة نظرا.

<<  <  ج:
ص:  >  >>