للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لكن ثقاتك مازالوا بغشهم ... حتى استوت عندك الأنوار والظلم

والله ما نصحوا لما استشرتهم ... وكلهم ذو هوى في الرأي متهم

كم حرفوا من مقال في سفارتهم ... وكم سعوا بفساد ضل سعيهم

ويبدو من تلك القصيدة، وما فيها من حياة وحرارة وقوة، أن أسامة كان يضمر في قلبه فيضاً من الحب لمعين الدين، وقد ختم قصيدته بعد عتاب طويل بقوله:

فاسلم، فما عشت لي فالدهر طوع يدي ... وكل ما نالني من بؤسه نعم

ترك أسامة دمشق، وسافر إلى القاهرة، فوصل إليها في جمادى الثانية سنة ٥٣٩هـ (نوفمبر سنة ١١٤٤م) في عهد الخليفة الحافظ لدين الله، وكان معه والدته وزوجته وأخوه محمد نجم الدولة، فأكرمه الخليفة أيما إكرام، وأقطعه إقطاعاً عاش به في رغد من الحياة، وخفض عيش. ولم يشأ أسامة في أول الأمر أن يزج بنفسه في الأحداث السياسية المصرية، حتى إذا ولى الظافر ألقي بنفسه في خضم هذه الأحداث، حتى ليروي المؤرخون أنه اشترك في المؤامرات التي انتهت بقتل الوزير ابن السلار، والخليفة الظافر، ورأى أسامة أن يعود بعد هذه الخطوب والحوادث إلى دمشق، برغم أن الصلة كانت وثيقة بينه وبين الوزير المصري الجديد: طلائع بين رزيك.

عاد أسامة إلى دمشق سنة ٥٤٩هـ (١١٥٤م) ومضت عشيرته لتلحق به، ولكن السفينة التي كانت تحملهم أصابها عطب عند عكا التي كانت في يد الصليبيين، فنهب الإفرنج ما معهم من المتاع، وساموهم سوء العذاب، حتى إذا وصلوا إلى دمشق، كانوا قد فقدوا كل ما حملوه معهم من مصر، وكان لذلك أكبر الأثر الأليم في نفس أسامة.

واتصل أسامة في دمشق بحاكمها نور الدين محمود، أكبر أبطال الحروب الصليبية في عصره، وكثيراً ما أرسل إليه الوزير المصري طلائع قصائد يحثه بها على أن يتوسط لدى نور الدين، حتى تجتمع كلمة سوريا ومصر على جهاد العدو المشترك، ولكن هذه القصائد لم تثمر ثمرتها. ويظهر أن كبر سن أسامة قد حال بينه وبين الاشتراك في الوقائع الحربية التي شنها نور الدين! وإن كان قد ساهم في بعضها، فقد حدثنا أبو شامة في كتابه الروضتين عما أبداه أسامة من ضروب البسالة في حصار قلعة حارم.

ويظهر أنه وجد بعد زهاء عشر سنين قضاها في دمشق، أنه في حاجة إلى الراحة والبعد

<<  <  ج:
ص:  >  >>