للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عن تكاليف السلطان وخدمة الملوك، فمضى إلى حصن كيفا، وهناك عكف على البحث والدرس والتأليف. وربما اختار أسامة هذا المكان لما كان فيه من مكتبات ضخمة غنية. ولكن هذه العزلة التي ارتضاها أسامة قطعها عودة صلاح الدين إلى دمشق، وقد رأى فيه أسامة البطل المنقذ للبلاد، فمضى إليه واستقبله صلاح الدين استقبالاً حسناً، فقد كانت تربطه به صلات وثيقة عندما كانا معاً في بلاط نور الدين محمود، فأعطاه صلاح الدين داراً وإقطاعاً دارة، وجالسه وآنسة وذاكرة في الأدب، وكان يستشيره فيما يلم به، وإذا مضى غلى الغزو كاتبه، وأخبره بوقائعه، وكان صلاح الدين معجباً بشعر أسامة، مشغوفاً بقراءة ديوانه، وتأمل خواطره، واستحسان روائع قصائده، وكان ولده مرهف جليس صلاح الدين، وصاحبه في الحل والترحال.

عاش أسامة في دمشق يشكو الكبر، وقد ثقلت عليه الحياة، لطول عمره، حتى إذا كان الثالث والعشرون من رمضان سنة ٥٨٤هـ (نوفمبر سنة ١١٨٨م) توفى أسامة بعد أن أربى على التسعين، ودفن في سفح جبل قاسيون، بدمشق.

- ٢ -

ترك أسامة عدة كتب عرفنا منها:

١ - كتاب الاعتبار الذي نشره المستشرق الفرنسي هرتويغ درنبورج، وقد سجل فيه أسامة ذكرياته، ومشاهداته، من معارك حربية، وأحداث سياسية، في مصر والشام، ويصور الوقائع التي دارت بينه وبين الإفرنج في صدق وإخلاص، ويعلق على ما يرى، ويشيد بالبطولة،، سواء أكانت من المسلمين أم من الصليبيين، ويدون ما يراه من أعمال الأبطال، ولو كانوا من صغار الجند، ويقيد الحوادث الفردية والغربية، وينقل إلينا ضوضاء المعارك، ويصف صلة المسلمين يومئذ بالفرنج، في السلم والحرب، ويصور طبائع الإفرنج وأخلاقهم وعقائدهم، ويحوي تأملات لأسامة بشأن طول العمر، وألحق بالكتاب قصصاً ونوادر شاهد بعضها، وسمع بعضها من ثقة، وقيمة الكتاب في أن ما رواه من حوادث تاريخية ومعارك، سجلها بعد أن رآها، فكان فيها شاهد عيان، ولذا كان من أهم ينابيع التاريخ لتلك الحقبة من عصر الحروب الصليبية، وقد كتبه أسامة وهو ابن تسعين سنة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>