للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وإيثار الحق على نفسه وخاصته

وكان له فصاد فاحتاج إليه يوماً فقيل له إنه في حبس القاضي لحيف كان منه على امرأته. فأمر المنصور بإخراجه مع رقيب من رقباء السجن ليفصده ثم يعود إلى محبسه. وشكا الرجل إلى المنصور ما ناله من القاضي فقال: (يا محمد أنه القاضي! وهو في عدله. ولو أخذني الحق ما أطقت الامتناع عنه. عد إلى محبسك أو أعترف بالحق فإنه هو الذي يطلقك)

فمن يسأل عن ملك العرب والمسلمين كيف ثبت هذه الحقب الطويلة على أعاصير الخطوب ففي هذا وأمثاله جواب

- ٦ -

وكان على كثرة مشاغله ذا عناية بالأدب والعلم يجتمع العلماء والأدباء كل أسبوع ويتناظرون في حضرته، ويمدحه الشعراء

وكان رحمه الله دّيناً متألها ورعاً كتب بيده مصحفاً كان يحمله في أسفاره. وجمع ما علق بثيابه من غبار الحرب وأوصى أن يجعل في حنوطه إذا مات، كما فعل أمير العرب ابن حمدان من قبله: صنع من غبار الوقائع لبنة لتوضع في قبره تحت رأسه وأتخذ المنصور كفنه من مال موروث من أبيه ومن غزل بناته اتقاء للشبهة، وتورعا أن يكون في أكفانه مال يرتاب فيه.

- ٧ -

توفى المنصور سنة ثلاث وسبعين وتسعين وثلاثماية غازياً بمدينة سالم في أقصى الثغور الأندلسية ففرح أعداؤه بموته وصوروا جنازته ولا تزال صور الجنازة في متاحف أوربة

رحم الله المنصور بن أبي عامر! إن في سيرته لقدوة حسنة لكل طامح يسمو بنفسه إلى الدرجات العلى في المنصب والدين والخلق.

رحم الله المنصور! إن في سيرته لحجة يوم نفاخر بتاريخ العرب والإسلام

عبد الوهاب عزام

<<  <  ج:
ص:  >  >>