للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يصوروهم!!!. . .

وما يقع لأعظم الناس يقع لأطولهم عمراً! فقوم نوح انتهوا جميعاً بشيء واحد؛ عاش منهم (متوشالح) تسعمائة سنة وتسعا وستين! وأعقب أبناء كثيرين وبنات كثيرات! ثم ماذا كان؟ كان أن مات. .! (الحياة حلم، والموت نهر طام يجرفنا)

نحتفل الآن بجناز مارلبرو (العظيم)!! فكل انتصاراته، وكل مفاخره، وكل خططه الحربية التي دبرها، وكل فتوحاته المتسلسلة المطردة، كل ذلك الذي يخصونه به كما لو كان وحده قد حارب وانتصر، وفاز وكسب، دون أن يمده الكثيرون بأرواحهم ودمائهم! كله قد انتهى حيث ينتهي آخرون! بل حيث ينتهي الناس جميعاً! أنه مات!! فلا ثروته الضخمة، ولا أسلابه من أعدائه، ولا سخاء حبيبته البارة وكرمها، ولا الكنوز المتراكمة في الحرب وفي السلم، ولا كل هاته الكتلة العظيمة من الذهب التي لا أعنى بتعيين ضخامتها كما قد يعنى البعض!! شيء من ذلك لم يستطع أن يهبه الحياة؛ ولا أن يطيل له أمدها لحظة؛ لقد انتهى وكفى. . .!

لا، بل يقول البعض إن الكنز العظيم الذي امتلكه في هذا العالم ذو خاصية غريبة عالقة به كانت تكون جد منغصة لصاحبه لو اعتنى بالتفكير فيها قليلاً! وهي أنه لا يستطيع أن يأخذ شيئاً منه إلى قبره. . .!!!

لم يبق لنا شيء من ذلك (العظيم) نتحدث عنه غير تاريخه وتمثاله؛ لقد عُدَّ الآن في الماضيات، وأصبحت صور جنازته ومعاركه جديرة بأن تتزين بها منازلنا كسائر القطع الفنية التي تعادلها زهواً وبهاء، وتساويها في النظر إليها بسرور وارتياح!!!

هكذا نهاية المجد الإنساني! وقليلاً ما تستطيع الدنيا القيام به لأعظم من يلجونها! بل ولأعظم قدر يصل إليه هؤلاء الرجال. .!!

فما وظيفة الحياة إذاً؟ وما أثر العظماء الذين يمرون على مسرح للدنيا في حلل النصر كهؤلاء الذين ندعوهم (أبطالاً)؟؟ أهو أن يكبروا وينفخوا في بوق الشهرة ويشغلوا صفحات كثيرة من التاريخ؟؟ وا أسفاه!! ليس هذا بأكثر من وضع قصة يقرأها الخلف فيما بعد ويصورها خرافة ورواية!! أم هو أن يقدموا للشعراء موضوعا يعيشون به في أشعارهم الخالدة كما يدعون؟؟ وذاك أيضاً سيؤول بهم إلى قصة شعرية يتلوها العجائز لإسكات

<<  <  ج:
ص:  >  >>