للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

- إنك تتألمين هذه الليلة.

- إني أحب. . .

- أوَ تحبين أنت؟

وكانت لا تزال محافظة على هيئتها. .

- إنك لا تصدق ذلك، أليس كذلك؟

كانت جالسة معي كي أنعم عليها بثمن شرابها، وكنت أعرفها منذ أمدٍ بعيد. . . منذ صباها، ولم تنس أن تفاتحني ساعة أن اقتعدت مقعدها بجانبي بعزمها على الشرب بقولها:

- أريد أن أشرب اليوم.

ولم أرفض رجاءها هذا فأمرت لها بقدح من الشراب لا إكراماً لسواد عينيها ولا حباً بجمالها، بل شفقة عليها ورحمة بها، فلقد كنت أراها كئيبة حزينة هذه الأيام.

- ومن تحبين؟

فرفعت رأسها من بين يديها كمن أفاق من ذهول عميق وأجابت:

- إن من أحبه (نكرة).

وكأن سؤالي هذا قد أثار منها سراً دفيناً وهاج لها ذكرى أليمة حتى راحت تحرق الأرم وتهدد الهواء بقبضتها كمن يتوعد أحداً. . . فتفرست في وجهها ملياً.

فدمدمت بكلمات غامضة. . .

- لِمَ تتفرس في وجهي هكذا كأنك تعرفه؟ أو كأنك تقول لي بأنه (معلوم) لديك! إنه (أحد النكرات)!. فلا تتعب نفسك في معرفته سدى!

قالت ذلك وأنشبت أظافرها الحادة في خديها من فرط تأثرها وابتسمت ابتسامة الحزين طفح كأس اصطباره:

(هو أحد (النكرات) أما إنه لم يكن كذلك؟ فلأن هؤلاء (النكرات) يفهمون أقوالنا ويتكلمون مثلنا ويشعرون كما نشعر. ويرون كما نرى! أما أنتم! فإن تكلمنا معكم اضطررنا إلى أن نزن كلامنا كلمة كلمة وقلوبنا تخفق رعباً، خوفاً من أن تعثر ألسنتنا وتلفظ كلمة سهواً فنصبح أضحوكة في نظركم! وإذا تكلمتم أنتم أصغينا إليكم بكل حواسنا حتى نفهم ما تقولونه. . . وترانا نعمل المستحيل حتى لا نظهر أمامكم بمظهر الجاهل الغر والأحمق

<<  <  ج:
ص:  >  >>