حبها يفقده أشياء كثيرة وعزيزة عليه؟ أيتركها ولا يلتفت إلى تلك النظرة الصارخة في عينيها، وقد بدت الليلة بوضوح في ملامح وجهها وشفتيها، ولم تستطع البغتة أن تخفيها من عينيها الأخاذتين! وهل هو قادر على أن يهمل اهتمامها الظاهر به، وهو الذي كان يقضي الساعات في مناجاة صورتها؟ وما يدريه! لعلها تصطنع كل ذلك لاستمالته! إنها خبيرة ولاشك بفعل هذه النظرات في القلوب! إنها تاجره تريد أن تغبنه بصفقة خاسرة، تريد منه قلباً بروح، لتعطيه قلباً بلا روح! كلا إن ذلك لن يكون!
ووقف ذهنه عند هذا الحد، فقد بدت من مقصورتها ومشت إلى ناحيته بتؤدة، ولما وصلت إليه أسرت قائلة:
- كازينو أنترناسيونال، منتصف الليل
ومنحته فوق ذلك ابتسامة!
عاد بسيارته بعد أن أخبر زوجته أنه سيقضي السهرة مع صديق له، وأنه سيتأخر عن وقت قدومه المعتاد، وانطلق كالسهم بها على غير قصد، ثم خطر له أن يشرب فوقف عند أول حانة!
وبعد الكأس السادسة نظر إلى الساعة فوجد أن بينه وبين الموعد ما يقارب الساعة، فخطر له أن يقضيها متجولاً لأنه شعر بالاكتفاء من الشرب وقام
ولم يكن (التجول) في مخيلته غير السير إلى طريق الكازينو! فوقف على بابه وفي صدره عراك، وفي خطواته تردد وإحجام، وألقى نظرة تائهة على الوجوه فلم يجد بينها غادته، فساقته قدماه إلى الباب وعاد إلى مقعده في السيارة وقد خطر له أن موقفه ناطق بالذل والعبودية، وأنه يسيء إلى نفسه بذلك العمل، وأن شعوره بكرامته وكبريائه قد ثلم، وبدت على وجهه غضون وغيوم!
وفي تلك اللحظة فقط شعر أنه تعب منهوك، وأن حاجته إلى النوم شديدة، فقبض على محرك السيارة وأداره بخفة ولباقة، وشعر أن كل ما فيه في تلك اللحظة عزيمة قوية! وأن في تلك العزيمة قضاء لا يرد!
واختلطت في ذهنه الأفكار والصور وعجز عن متابعة نتيجة عمله، وشعر بشيء من الكلال والفتور والإعياء، وكانت ابتسامته لزوجته جامدة، وكان على غير عادته في النوم