منذ طبع الله الطباع، فحركي في وجوههم تلك القوى الكامنة في بنيك يرتعد.
صممي وقولي للمتعاقلين الذين يعذلونك على الإقدام:
(وأضيع شيء ما تقول العواذل).
انثري كنانتك - يا كنانة الله - فإن لم تجدي فيها سلاح الحديد والنار فلا تراعي. واحرصي على أن تجدي فيها السلاح الذي يفل الحديد وهو العزائم والمادة التي تطفئ النار وهي اتحاد الصفوف، والمسن الذي يشحذ هذين وهو العفة والصبر. فلعمرك - يا مصر - إنهم لم يقاتلوك بالحديد والنار، إلا ساعة من النهار؛ وبالكتاب الذي يزرع الشك، وبالعلم الذي يمرض اليقين، وبالصحيفة التي تنشر الرذيلة، وبالقلم الذي يزين الفاحشة وبالغي التي تخرب البيت وبالحشيش الذي يهدم الصحة، وبالممثلة التي تمثل الفجور، وبالراقصة التي تغري بالتخنث، وبالمهازل التي تقتل الجد والشهامة، وبالخمر التي تذهب بالدين والبدن والعقل والمال، وبالشهوات التي تفسد الرجولة، وبالكماليات التي تثقل الحياة، وبالعادات التي تناقض فطرة الله، وبالمعاني الكافرة التي تطرد المعاني المؤمنة من القلوب. فإن شئت أن تذيبي هذه الأسلحة كلها في أيدي أصحابها فما أمرك إلا واحدة، وهي أن تقولي: إني مسلمة. . . ثم تصومي عن هذه المطاعم الخبيثة كلها. . . إن القوم تجار سوء، فقاطعيهم تنتصري عليهم. . . وقابلي أسلحتهم كلها بسلاح وهو التعفف عن هذه الأسلحة كلها. . . فإذا أيقنوا أنك لا حاجة لك بهم، أيقنوا أنهم لا حاجة لهم فيك وانصرفوا. . وماذا يصنع (المرابي) في بلدة لا يجد فيها من يتعامل معه بالربا؟
نعمة من الله أن امتحنك بهذه المحنة، وأنت في مفترق الطرق. ولو تأخرت المحنة قليلا لخشينا أن تسلكي أضل السبل.
فرصة من فرص الدهر، هيأها لك القدر للرجوع إلى هدى محمد، ومحامد العرب، وروحانية الشرق. فإن انتهزتها محوت آية الغرب، وجعلت آية الشرق مبصرة.
ويا مصر، نحن وأنت سواء في طلب الحق ومطاردة غاصبة. ونحن وأنت مستبقون إلى غاية واحدة في ظلام دامس؛ ولكنك أصبحت، فيا بشراك ويا بشرانا بك، ولم نزل نحن في قطع من الليل، نرقب الفجر أن يتبلج نوره، وما الفجر منا بعيد.