ومشترين وموردين للبضائع وسكان أصليين. وكان يتولى أمرها جمهورية أرستقراطية عليها سمة (دينية) فقد كان سكانها يختارون لها جماعة من عشرة رجال، من إحدى القبائل ليكونوا حكامها وحراسا للكعبة وسدنتها، وكانت هذه لا شك طريقة غير سليمة. وقد انتهى هذا الأمر في أواخر الأيام السابقة لظهور النبي إلى قبيلة قريش التي منها أسرة محمد إذ أنها كانت هي التي تسكن مكة. أما بقية القبائل الأخرى، فكانت متفرقة في أنحاء الصحراء تفصلها الواحدة عن الأخرى مسافات بعيدة من البيد والقفار، وكانت كل قبيلة تختار لها أميرا وربما كان هذا الأمير راعيا، بل وكثيراً ما يكون لا عمل له إلا قطع الطريق والإغارة على القبائل الأخرى المجاورة. وكثيراً ما كانت الحرب تستمر سجالا بين القبائل عدة سنوات، ولكنهم على رغم تباعدهم وشتات شملهم وما بينهم من عداوة وبغضاء، كانوا يلتقون حول الكعبة فيجتمعون رغم اختلاف عقائدهم، على مذهب واحد، وهو تقديس الكعبة وتعظيمها. على أنه كان هناك شيء يجب علينا ألا ننساه وهو أنه كان العرب رابطة قوية، ألا وهي رابطة الدم واللغة التي تفوق كل الروابط والتي توحد المشاعر وتسهل التفاهم وتشعر بالتقارب.
على هذا المنوال عاش العرب قرونا عديدة خاملي الشأن لا أر لهم في الحياة ولا ذكر لهم في العالم؛ فقد وصل بهم الاضمحلال والسقوط، أن كان يستخدمهم الفرس والرومان في محاربة بعضهم البعض في الدفاع عن مصالح تلك الأمم. غير أنه في أواخر أيامهم حدثت بينهم دواعي اختلاط، أخذت تربطهم وتقرب بينهم، ثم أخذت تتسرب إليهم أبناء عن أكبر حادثة وقعت في ذلك الوقت على وجه البسيطة - وأقصد بها حياة المسيح ودعوته - فأحدثت هذه الدعوة تأثيرا ًملموسا في الأمة العربية وجمعت بين كثير من قبائلها، وكأنما أراد الله أن يكون هذا العمال إرهاصا للدعوة الكبرى واليوم المشهود الذي ينتظره هؤلاء العرب ليعلو ذكرهم ويرتفع في الآفاق شأنهم.
ما أعجب أمر الكعبة وأعظم شأنها! فهي التي جمعت بين شتات العرب ووحدت بين مشاربهم، وكما هي في هذه الآونة قائمة على قواعدها عليها الكسوة الشريفة التي يرسلها لها السلطان كل عام والتي توقد فيها المصابيح في ليلة الهجرة لتشرف تحت النجوم المشرقة، هي أجل أثر من آثار الماضي وخير ميراث من الغابر.