الموسيقى يتفشى فيه كله، كذلك تبدو في هذا الديوان صورة واضحة للتعبير الدقيق المصور للأفكار إلى ما سوى ذلك مما استحى لذكره من عبارات المدح والإطراء: وتالله لقد ترددت كثيراً أن أصدق أن الشاعر والناقد شخص واحد، واكتفي أن أقول له في احترام: إن مثل هذا أن أجاز في شيء فهو لا يجوز في الأدب وعلى الأخص في الشعر
وبعد فهل رأيت في الديوان ما يتفق مع هذه المقدمة؟ الحق أني إذا أردت الأنصاف مضطر إلى أن أخالفه في كثير مما قال بل في معظمه! فالجزء الأول من ديوانه المسمى (ظلال ورموز) عبارة عن سلسلة من الأفكار الغامضة يشملها جميعاً ذلك التعبير الذي شغف بتكراره الشاعر وهو (الوجوم الكئيب) فتلك الكآبة تخيم على معظم قصائده وعلى الأخص (الشعاع الخابي) و (خراب) و (في الصحراء) حيث (يطل الليل كالشيخ الكئيب) و (في خريف الحياة)، و (غريب). وليتنا نخرج بشيء من هذه الكآبة أو نتبين فيها شيئاً من فلسفة الحياة جديراً حقاً بهذا الأسم، ولست أدري لم أضطلع الشاعر هنا ببعض الموضوعات (كالإنسان الأخير) و (الشاعر في وادي الموت)، وهو لم يخرج منها بطائل، بله العجز عن التصور والتعبير في مثل هذه المواقف الغريبة!
أما بقية ديوانه فيشتمل على بعض قصائد ريفية، وقصائد غزلية، وقصائد وطنية، هي في الجملة جيدة، تحس أنها صادرة حقاً عن القلب، فليس فيها من تكلف والتعمل والتقليد مثل ما في سابقتها؛ ولقد أعجبني بنوع خاص قصائده (توارد خواطر) و (سر انتصار الحياة) و (المعجزة) و (الليلات المبعوثة) وطربت لها كثيراُ. ولو نظر الشاعر أو الناقد سيد قطب معي نظرة حق لفهم السر في نجاحه في تلك القصائد التي يستحق من أجلها أطيب الثناء، ولولا هنات في بعض تعبيراته لعدت هذه من عيون الشعر
والشاعر في قصائده الحديث أقوى على التعبير وأسلس عبارة منه في قصائده القديمة، ولقد لاحظت عليه كجمهرة شعراء الشباب مغرم ببعض الصور الغريبة. لا يتحرج في كثير من تعبيراته، ولا يتوخى فيها البلاغة والسير في مألوف التشبيه والاستعارة، وإلاّ فكيف يتفق مع الذوق مثل قوله (يدوي حوله صمت الفناء) والكون (مفقود القطيم) و (الهول الواجم) و (الرعب الحائم) و (الفناء الجاثم) و (ركام الفناء) و (شخوص الوهم) و (الحياء الوديع) و (الخشوع الوقور) و (العيلم المسجور) و (الصرخة الملتوية) و (الصمت في ظل الوجوم) و